المعارف العلمية الدقيقة الكثيرة، ثم إن ذلك مغمور فيما أتى به وإذا تقرر هذا، كما تقرر الذي قبله علم على جزم أن ما تضمنه هذا الكتاب من الفوائد العلمية وغلات الأذهان المسلمة من المصنف قوية صلبة البناء والأساس، صحيحة المأخذ والمدرك في الجملة.
إذ هي مبنية على البراهين والحجج القوية المأخوذة من قضايا العقول الضرورية، ومن دلالات الألفاظ الثابتة لغة وشرعا، ومن الاستقراء، التي اعتمد عليها في ذلك كثيرا، وفي أغلب أحواله.
وأما ما أورده الشيخ محمد طاهر بن عاشور من الردود والنقود على بعض كلام الشاطبي ومنهجه في هذا الكتاب فإنه قد تجرد مما يقتضي اعتباره، والاعتداد به، إذ قد أخل فيه - رحمه الله تعالى - بالمبادئ - القواعد والأسس - التي عليها قيام البناء المعرفي الصحيح. وأحد هذه المبادئ: الاستدلال على صحة المدعي بما يقتضيه ويوجبه من الأدلة، وهو ما لم يجر عليه في ذلك، إذ قصار ما أتى به دعاوى مجردة من أي شيء يثبتها.
ومن ذلك قوله:"أن الشاطبي استدل على أن أصول الفقه قطعية بمقدمات خطابية وسفسطائية، أكثرها مدخول ومخلوط غير منخول".
وقوله: ذكر الشاطبي كلاما طويلا في التعبد والتعليل معظمه غير محرر، ولا متجه.
وغير ذلك من صنف هذه الدعاوى التي ساقها، ولم يقم على صحتها دليلا واحدا، وإنما لفظها، كأنه يرى أن ما صدر عنه يعتد به، ويعتبر صحيحا دون أن يكون معتمد ذلك الدليل والحجة، ولا يخفى ما في هذا من الخروج عن منهج العلماء وسبيلهم في شأن بناء المعرفة، بل ما فيه من أسلوب الاستعلاء ووصمة الغرور، والطيش في النظر.
فالواجب عليه سوق الأدلة على صحة ما يدعيه، وعرض ذلك على الأنظار، مبينا وجه ما يستدل به من ذلك على صحة مدعاه.
ألا يرى ما عليه الشاطبي - رحمه الله تعالى - في هذا الشأن، فهو ما فتئ مستدلا على كل رأي أو ثمر نظر يعرضه، ثم لا يكتفي بذلك، بل إنه يورد