للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التمام لعدم وجود المقيد له.

ومنه ما استدل به على أن القرآن المكي لا يدخله النسخ، وهو قول قال به بعض أهل العلم قبله، ولكن قد ذكر أن ذلك قد وقع فيه في آيات، منها قوله - تعالى - في سورة غافر: والملائكة {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غَافر: ٧] فإنه ناسخ لقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشّورى: ٥].

قال السيوطي: قلت: "أحسن من هذا نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها، أو بإيجاب الصلوات الخمس، وذلك بمكة اتفاقا" (١).

كما ينظر - أيضا - فيما استدل به على أن القضايا الجزئية لم ترد في القرآن المكي، فإنه موضع نظر.

وفيه ضعف حسبما يبدو لي. لكن الصحيح المقطوع به أن ذلك كله وما أشبهه لا يقدح في صحة وقوة استنتاجاته - رحمه الله تعالى - وأثمار أنظاره الموردة في هذا الكتاب في الجملة، فإيرادي الكلام على هذا الذي ذكر إنما هو لإتمام الفائدة العلمية فيما ذكر، والتنبيه فقط. وذلك لأن الخطب في ذلك يسهل، لأن إيراده هذه الأحاديث قد يوجه بأنه لا يوردها للاستدلال بها على أمور تعبدية، وإنما يوردها للاستدلال بها على أمور تمهدت في الشريعة، وتقررت بأدلة كافية فيها أحكامها، فكأنه يوردها للاستئناس بها فقط. وعلى هذا السنن والمجرى كذلك يوجه ما يورده من قصص وحكايات أرباب الأحوال - الصوفية - فإنه - على ما يبدو - إنما يسوقه للتمثيل، والحديث عن أحوال وأمور لها - على ما يراه - مستندات شرعية صحيحة.

وأما هذه الدعاوى التي ذهب إلى القول بها فإن ذلك كان عن اجتهاد منه، وكونها مرجوحة مقدوحا فيها. وهو ما يفضى إلى الحكم عليه بأنه مخطئ في شأنها، فإن ذلك قد يكون مغتفرا باعتبار أنه من باب ما كان عن اجتهاد، ثم إنه مما لا يخلو من الوقوع فيه الإنسان من الخطأ في مجاري نظره واستنتاجاته من


(١) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>