للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شددوا على أنفسهم وتكلفوا ما لم يكلفوا ودخلوا على غير مدخل أهل الشريعة وحاش لله ما كانوا ليفعلوا ذلك وقد بنوا نحلتهم على اتباع السنة وهم باتفاق أهل السنة صفوة الله من الخليقة لكن إذا فهمت حالة المسلمين في التكليف أول الإسلام ونصوص التنزيل المكي الذي لم ينسخ وتنزيل أعمالهم عليه تبين لك أن تلك الطريق سلك هؤلاء وباتباعها عنوا على وجه لا يضاد المدني المفسر فإذا سمعت مثلا أن بعضهم سئل عما يجب من الزكاة في مائتي درهم فقال أما على مذهبنا فالكل لله وأما على مذهبك فخمسة دراهم وما أشبه ذلك علمت أن هذا يستمد مما تقدم فإن التنزيل المكي أمر فيه بمطلق إنفاق المال في طاعة الله ولم يبين فيه الواجب من غيره بل وكل إلى اجتهاد المنفق ولا شك أن منه ما هو واجب ومنه ما ليس بواجب والاحتياط في مثل هذه المبالغة في الإنفاق في سد الخلات وضروب الحاجات إلى غاية تسكن إليها نفس المنفق فأخذ هذا المسؤول في خاصة نفسه بما أفتى به والتزمه مذهبا في تعبده وفاء بحق الخدمة وشكر النعمة وإسقاطا لحظوظ نفسه وقياما على قيام العبودية المحضة حتى لم يبق لنفسه حظا وإن أثبته له الشارع اعتمادا على أن لله خزائن السموات والأرض وأنه قال: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: ١٣٢] وقال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: ٥٧] وقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: ٢٢] ونحو ذلك فهذا نحو من التعبد لمن قدر على الوفاء به ومثله لا يقال في ملتزمه إنه خارج عن الطريقة ولا متكلف في التعبد لكن لما كان هذا الميدان لا يسرح فيه كل الناس قيد في التنزيل المدني حين فرضت الزكوات فصارت هي الواجبة انحتاما مقدرة ألا تتعدى إلى ما دونها وبقي ما سواها على حكم الخيرة فاتسع على المكلف مجال لإبقاء جوازا والإنفاق ندبا فمن مقل في إنفاقه ومن مكثر والجميع محمودون لأنهم لم يتعدوا حدود الله فلما كان الأمر على هذا استفسر المسؤول السائل ليجيبه عن مقتضى سؤاله، ومنهم من لا ينتهي في الإنفاق إلى إنفاذ الجميع بل يبقى بيده ما تجب في مثله الزكاة حتى تجب عليه وهو مع ذلك موافق في القصد لمن لم يبق شيئا علما بأن في المال حقا سوى الزكاة وهو لا يتعين تحقيقا وإنما فيه الاجتهاد فلا يزال ناظرا في ذلك مجتهدا فيه ما بقي بيده منه شيء متحملا منه أمانة لا ينفك عنها إلا بنفاذه أو كالوكيل فيه لخلق الله سواء عليه أمد نفسه منه أم لا. وهذا كان غالب أحوال الصحابة ولم يكن إمساكهم

<<  <  ج: ص:  >  >>