" ثم له" أي لما ذكر من معرفة المطلوب "أيضا طريق" آخر "ثان" خاص بأرباب المبحث عن حقائق الأشياء وماهياتها وأوصافها الذاتية وهذا الطريق "لا يشمل الجمهور""بـ" ما يتضمنه من "البيان" و التفسير و التصوير "فبعده عن" مناسبة وموافقة "الطباع" والمدارك العادية التي يسهل على الجمهور اخذ المعارف منها "أهمله" كان موجبا لإهماله في مجال التخاطب والإفهام والحوار العادي بين الناس، "وصده" أي منعه وصرفه "عن اعتبار" صاحب "الشرع له" في بيانه لأحكامه وشرائعه وما انزله من علوم ومعارف في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن مسالكه صعبة المرام على الناس {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨].
"و" هذا الطريق "مقتضاه" الذي يقتضيه ويوجبه العمل به هو "طلب المحدود معرفة" يعني طلب معرفة ما يراد تحديده - تعريفه وبيانه - "من جهة الحدود" يعني من الجهة التي يمضى عليها في وضع الحدود على الطريقة المنطقية، كما إذا سئل عن الملك فيجاب "ماهية مجردة عن المادة أصلا"، أو يقال:"جوهر بسيط ذو غاية ونطق عقلي" أو يقال: ما الكوكب؟ فيجاب بأنه "جسم بسيط كروي مكانه الطبيعي نفس الفلك من شأنه أنْ ينير متحرك عن الوسط غير مشتمل عليه " - وما أشبه ذلك من الأمور التي لا تعرفها العرب، ولا يوصل إليها إلا بعد قطع ازمنة في طلب تلك المعاني، ومعلوم أن الشارع لم يقصد إلى هذا، ولا كلف به. هذا شأن التصور وحاله، وأما التصديق فإنه يطلب فيه أن تكون مقدماته ضرورية أو ما يقرب منها، فإن ذلك هو ما عليه أسلوب الخطاب الشرعي، وعليه قيامه في هذا الشأن. قال الناظم "كذلك" يعني كما يطلب أن يكون الخطاب التصويري للجمهور تقريبيا لما تقدم ذكره كذلك "التصديق" فإنه يكون لائقا بالجمهور إدراكه "حيث" أي في أي موضع - دليل - "تأتي مقدماته" أي ذلك الدليل حالة كونها "ضروريات" وهي التي يجزم العقل بثبوتها من غير حاجة إلى نظر وتأمل.