"من ذاك" الذي هو من هذه الأوصاف "الاعتناء" والاهتمام "بالمسائل" الفقهية المعروضة على النظر "وكثرة" التفكر وترديد "الفكرة في" كل ما يريد من "النوازل" ويقع، قال مالك بن أنس: ربما وردت علي المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم، فقيل له: يا أبا عبد الله والله ما كلامك عند الناس إلا نقر في حجر، ما تقول شيئا إلا تلقوه منك، قال فمن أحق أن يكون هكذا إلا من كان هكذا، قال الراوي: فرأيت في النوم قائلا يقول: مالك معصوم "و" من ذلك - أيضا - "عدم" الإسراع و"البدار للجواب" لأن المطلوب من المفتي هو إمعانه النظر في المسألة المسؤول عنها والتريث في الحكم فيها "حتى يرى" ما هو "النهج إلى الصواب" في ذلك، فإن لم يظهر له ما هو الصواب في ذلك توقف.
قال مالك - رحمه الله تعالى -: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن، وقال: ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالي وكان إذا سئل عن المسألة قال للسائل انصرف حتى أنظر فيها. فينصرف ويردد فيها، فقيل له في ذلك، فبكى، وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم. وكان إذا جلس نكس رأسه وحرك شفتيه يذكر الله، ولم يلتفت يمينا ولا شمالا. فإذا سئل عن مسألة تغير لونه - وكان أحمر - فيصفر وينكس رأسه ويحرك شفتيه، ثم يقول ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله؟ فربما سئل عن خمسين مسألة فلا يجيب منها في واحدة. وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب. وقال بعضهم: لكأنما مالك والله إذا سئل عن مسألة والله واقف بين الجنة والنار. وقال: ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام، لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كان الموت أشرف عليه. ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه والفتيا، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يجمعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويسألون، ثم حينئذ