في الصحيح عن أنس قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ولقد أمسكوا عن السؤال حتى جاء جبريل فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأمارتها ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه جبريل وقال أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا وهكذا كان مالك بن أنس لا يقدم عليه في السؤال كثيرا وكان أصحابه يهابون ذلك قال أسد بن الفرات وقد قدم علي مالك وكان ابن القاسم وغيره من أصحابه يجعلونني أسأله عن المسألة فإذا أجاب يقولون قل له فإن كان كذا فأقول له فضاق علي يوما فقال لي هذه سليسلة بنت سليسلة إن أردت هذا فعليك بالعراق وإنما كان مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لا يغالهم في المسائل وكثرة تفريعهم في الرأي وقد جاء عن عائشة أن امرأة سألتها عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة فقالت لها أحرورية أنت إنكارا عليها السؤال عن مثل هذا وقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة فقال الذي قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا شهق ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال عليه الصلاة والسلام إنما هذا من إخوان الكهان وقال ربيعة لسعيد في مسألة عقل الأصابع حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها فقال سعيد أعراقي أنت فقلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم فقال هي السنة يا ابن أخي وهذا كاف في كراهية كثرة السؤال في الجملة (١).
فصل: في بيان أن لكراهية السؤال مواضع نذكر بعضا من ذلك وهو عشرة مواضع.
"ومنه" السؤال الذي هو "غير نافع في الدين" بحيث لا يثمر علما نافعا، ولا عملا مطلوبا شرعا، وذلك "كـ" السؤال الوارد في "قصة الهلال" وهو أنه - عليه الصلاة والسلام - سئل ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدرا، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان هذا ما سألوا عنه "بالتعيين" وبالذات، فأنزل الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}[البقرة: ١٨٩] الآية فأجيبوا بما ينفعهم، وما يفهمون وترك الجواب عما سئل عنه بالذات والتعيين لأنه غير نافع لهم.