وما يتصل بذلك ويتفرع عنه من أمور تربي على النظر السديد إلى الوجود وما فيه، وعلى الرشاد في السلوك.
كما أنه يخالل نظره ويمتزج به في مجاري النظر الفقهي العمل بالقواعد الفقهية والأصولية التي عليها المالكية، فكان يستشهد أحيانا بها وأحيانا أخرى يستدل لها، ويذكر مآخذها، كما فعل في شأن الاستحسان، وسد الذرائع، ومراعاة الخلاف، وغيرها، فهي لا تنفك حاضرة في مجاري نظره، قائمة بذهنه، كما يبدو من تصرفاته النظرية، وتضاعيف كلامه ومضامينه، وتقريراته للمسائل الفقهية. وهذا يكاد يدل على أنه مالكي المشرب، وإن كان من خاض في العلوم على هذا الحال الذي هو عليه لا يرضى إلا بالاجتهاد.
ويظهر من كلامه في بحث الدلالة أنه تأثر بالإمام ابن حزم مستفيدا منه في شأن مقتضى الدلالة التبعية بوجه ما.
كما يظهر أنه انتفع بتحقيقات فقهية وغيرها لبعض فقهاء المالكية كالمازري والقرافي.
ولا يخفى أنه مخالف للمعتزلة فيما هم فيه على خلاف مع غيرهم من أهل المذاهب الكلامية الأخرى، فكان مقررا بنفس أشعري أن الأعمال البشرية من خلق الله - تعالى - وإن السبب غير مؤثر بذاته لا في الإيجاد، ولا في الإعدام، فالمسببات لا تدخل تحت طاقة العباد، ومن ثم لم يتعلق بإيجادها التكليف.
وهذا قد فصل فيه الكلام في مجاري حديثه في السبب.
وأما ما ذهب فيه الأشاعرة إلى التأويل على خلاف الحنابلة، وموضوعه الصفات والأسماء فإنه فيه - فيما يبدو لي - على اضطراب، ففي شأن الجهة يوافق الأشاعرة، وفي شأن الاستدلال الذي قد يبنى عليه موافقته لهم في المعتقد، إذ سكت عن رده، قال في كتاب الأدلة:"والثالث قوله - تعالى -: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل: ٥٠] على هذا المجرى في سائر الآيات" ٣/ ٢٦٢.
وقال فيه أيضا:"وأما مسائل الخلاف وإن كثرت فليست من المتشابهات بالإطلاق ولا تكليف يتعلق بمعناها" ٣/ ٧٠. والله تعالى أعلم بالصواب.