المسبب في فعل السبب لا يزيد على ترك الالتفات إليه؛ فإن المسبب قد يكون، وقد لا يكون، هذا وإن كانت مجاري العادات تقتضي أنه يكون، فكونه داخلا تحت قدرة الله يقتضي أنه قد يكون وقد لا يكون، ونقض مجاري العادات دليل على ذلك، وأيضا: فليس في الشرع دليل ناص على طلب القصد إلى المسبب.
فإن قيل: قصد الشارع إلى المسببات والتفاته إليها، دليل على أنها مطلوبة القصد من المكلف، وإلا فليس المراد بالتكليف إلا مطابقة قصد المكلف لقصد الشارع، إذ لو خالف لم يصح التكليف كما تبين في موضعه من الكتاب. فإذا طابقه صح، فإذا فرضنا هذا المكلف غير قاصد للمسببات، وقد فرضناها مقصودة للشارع، كان بذلك مخالفا له، وكل تكليف قد خالف القصد فيه الشارع فباطل كما تبين. فهذا كذلك.
فالجواب: أن هذا إنما يلزم إذا فرضنا أن الشارع قصد وقوع المسببات بالتكليف بها كما قصد ذلك بالأسباب، وليس كذلك، لما مر أن المسببات غير مكلف بها، وإنما قصده وقوع المسببات بحسب ارتباط العادة الجارية في الخلق، وهو أن يكون خلق المسببات على أثر ارتفاع المكلف للأسباب ليسعد من سعد ويشقى من شقي، فإن قصد الشارع لوقوع المسببات لا ارتباط له بالقصد التكليفي، فلا يلزم قصد اليكلف إليه إلا أن يدل على ذلك دليل، ولا دليل عليه. بل لا يصح ذلك، لأن القصد إلى ذلك قصد إلى ما هو فعل الغير، ولا يلزم أحدا أن يقصد وقوع ما هو فعل الغير لأنَّهُ غير مكلف بفعل الغير، وإنما يكلف بما هو من فعله، وهو السبب خاصة، فهو الذي يلزم القصد إليه، ويعتبر فيه موافقة قصد الشارع.
"فصل" في أن للمكلف القصد إلى المسببات: قال الناظم: "ولهم" أي للمكلفين - يعني يجوز لهم - "القصد" إلى تحصيل أو حصول "له" أي المسبب، وذلك "بـ" سبب وحكم "ما استقر" وثبت "في" نفوس "الخلق" وكان "عادة" لهم من الالتفات إلى العوائد التي "وجودها" وجريانها "استمر" في هذه الدنيا، ولا مخالفة شرعية في هذا القصد "إذ جعل الله في الاكتساب" الذي يحصل من العبد "ربط المسببات بالأسباب"