هذا وإن سعيي في هذا الشرح إنما هو لبيان معاني هذه المنظومة، وتقريبها لطلبة العلم ذوي المنة في الحفظ والتحصيل، ورب قائل يقول: أن هذا الشرح لو فرض أنه على أبدع صورة ممكنة لشارح مثلكم ما كان إلا نسخة مكررة من الأصل (الموافقات) وبذلك فإنه لم يكن إلا اجترار لما في هذا الأصل، فخلا بذلك من أي فائدة زائدة عن ذلك.
الذي أراه أن الأمر ليس كذلك فإن في الأصل نفسه ما يحتاج إلى البيان وقد سعينا إلى بيانه على قدر المستطاع، وربما أزلناه بالنقل لكلام بعض أهل العلم في ذلك.
ثم إن الغرض من النظم للمعارف هو حفظها المتوسل به إلى تحصيلها، والحفظ وحده لا يتم ذلك المراد منه ما لم يفهم متضمن المحفوظ، ويشرح معناه، فإذا فهم بعدما حفظ حصل المراد، وتحقق الغرض.
والأصل ليس شرحا على الوجه المطلوب، فلا سبيل إلى الاكتفاء بالتوسل به إلى ذلك المراد. ثم إن الذي دل عليه واقع الحال أنه قد يحصل الاستغناء بالنظم وشرحه على الأصل المنظوم، كما هو مشاهد ومدرك لكل من يفارس دراسة العلوم وتدريسها، حتى إن المنظومات وشروحها في الغالب هي المتداولة في مدارس العلوم الشرعية الأصلية الحقيقية، وما ذاك إلا لما في ذلك من مزية الجمع بين التحصيل والفهم.
وهذا لا ينكره إلا من ينكر المحسوسات والضروريات. فإذا عرفت هذا أدركت أن هذا العمل ليس اجترارا، ولا تكرارا، كما أنه ليس سهمه طائشا بل لغرض جليل القدر يعلم مما تقدم، وهذا سهمه مسدد يدركه كل من مارس تعلم العلوم وتعليمها بالطريقة الأصلية، على بداهة، وبالضرورة.
هذا على وجه الإجمال صورة شرحي هذا من جهة الغاية والمضمون، وأما من جهة المنهج فإني قد اخترت في شأنه الشرح الممتزج بالمتن - كما ترى - لأنه - في نظري - أفضل لأنه يفك به الكلام - المنظومة - ويظهر به المراد، ويصير جملة القول كأنه كتاب واحد.