للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٣٣ - وَالْقَصْرُ فِي الْحَاجِيِّ لِلْمَشَقَّةْ … وَمُتْرَفٌ فِي السَّفَرِ اسْتَحَقَّهْ

" و" كذلك "القصر" للصلاة "في" القسم "الحاجي" فإنه - أي القصر - مشروع للتخفيف و"لـ" لحوق "المشقة" بمن تلبس به - أي بالسفر - "و" مع ذلك فإن حكم القصر هذا جار على من هو "مترف" متنعم "في السفر" لا مشقة تلحق فيه، لأنه "استحقه" أي هذا الحكم بمقتضى كونه مسافرا، وتخلف ما شرع لأجله هذا الحكم من الحكمة المذكورة لا يرفع جريانه، كما أنه لا يقدح في كون ما ذكر هو الحكمة في ذلك. وأما في التحسينات فإن الطهارة شرعت للنظافة على الجملة مع أن بعضها على خلاف النظافة كالتيمم. فكل هذا غير قادح في أصل المشروعية؛ لأن الأمر الكلي إذا ثبت كليا فتخلف بعض الجزيئات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا. وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي؛ لأن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت.

هذا شأن الكليات الاستقرائية، واعتبر ذلك بالكليات العربية، فإنها أقرب شيء إلى ما نحن فيه، لكون كل واحد من القبيلين أمرا وضعيا لا عقليا. وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزيئات قادحا، في الكليات العقلية؛ كما نقول: ما ثبت للشيء ثبت لمثله عقلا، فهذا لا يكون فيه التخلف البتة؛ إذ لو تخلف لم يصح الحكم بالقضية القائلة: ما ثبت للشيء ثبت لمثله. فإذا كان كذلك فالكلية في الاستقرائيات صحيحة، وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات. وأيضا فالجزيئات المتخلفة قد يكون تخلفها لحكم خارج عن مقتضى الكلي فلا تكون داخلة تحته أصلا، أو تكون داخلة لكن لم يظهر لنا دخولها أو داخلة عندنا لكن عارضها على الخصوص ما هي به أولى، فالملك المترفه قد يقال إن المشقة تلحقه لكنا لا نحكم عليه بذلك لخفائها؛ أو نقول في العقوبات التي لم يزدجر صاحبها إن المصلحة ليست الازدجار فقط، بل ثم أمر آخر وهو كونها كفارة؛ لأن الحدود كفارات لأهلها وإن كانت زجرا أيضا على إيقاع المفاسد. وكذلك سائر ما يتوهم أنه خادم للكلي. فعلى كل تقدير لا اعتبار بمعارضة الجزئيات في صحة وضع الكليات للمصالح.

خلاصة القول أن هذا التخلف لا يرفع الحكم، ولا يخرج حكمته الأصلية (١).


(١) انظر الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>