ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا" وحديث أنس دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا؟ قالوا حبل لزينب، تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: "حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد" وحديث معاذ حين قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام "أفتان أنت يا معاذ" حين أطال الصلاة بالناس، وقال: "إن منكم منفّرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة" ونهى عن الوصال رحمة لهم، ونهى عن النذر وقال: "إن الله يستخرج به من البخيل، وإنه لا يغني من قدر الله شيئا" أو كما قال لكن هذا معلل معقول المعنى بما دل عليه ما تقدم: من السآمة والملل والعجز، وبغض الطاعة وكراهيتها. وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله؟ فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" وقالت عائشة رضي الله عنها: نهاهم صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، قالوا: إنك تواصل. فقال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربى ويسقيني. وحاصل هذا كله: أن النهي لعلة معقولة المعنى مقصودة للشارع وإذا كان كذلك فالنهي دائر مع العلة وجودا وعدما، فإذا وجد ما علل به الرسول صلى الله عليه وسلم، كان النهي متوجها ومتجها، وإذا لم توجد فالنهي مفقود (١).
"والناس ليسوا هاهنا " أي في هذا الشأن "سواء" بل هم في ذلك على ضربين: ضرب يحصل له بسبب إدخال نفسه في العمل تلك المشقة الزائدة على المعتاد، فيؤثر فيه أو في غيره فسادا، أو تحدث له ضجرا ومللا، وقعود عن النشاط إلى ذلك العمل، كما هو الغالب في المكلفين، فمثل هذا لا ينبغي أن يرتكب من الأعمال ما فيه ذلك، بل يترخص فيه بحسب ما شرع له في الترخص، إن كان مما لا يجوز تركه، أو يتركه إن كان مما له تركه وهو مقتضى التعليل. "إن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا" وهو الذي أشار به عليه الصلاة والسلام على عبد الله بن عمرو بن العاص حين بلغه أنه يسرد الصوم وقد قال بعد الكبر: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.