والخامس: أن الملكف إنما كلف بالأعمال من جهة قصد الشارع بها في الأمر والنهي فإذا قصد بها غير ذلك كانت بفرض القاصد وسائل لما قصد لا مقاصد إذ لم يقصد بها قصد الشارع فتكون مقصودة بل قصد قصد آخر جعل الفعل أو الترك وسيلة له فصار ما هو عند الشارع مقصود وسيلة عنده وما كان شأنه هذا نقض لإبرام الشارع وهدم لما بناه.
والسادس: أن هذا القاصد مستهزئ بآيات الله لأن من آياته أحكامه التي شرعها وقد قال بعد ذكر أحكام شرعها {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}[البقرة: ٢٣١] والمراد أن لا يقصد بها غير ما شرعها لأجله ولذلك قيل للمنافقين حيث قصدوا بإظهار الإسلام غير ما قصده الشارع {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة: ٦٥] والاستهزاء بما وضع على الجد مضادة لحكم ظاهرة والأدلة على هذا المعنى كثيرة وللمسألة أمثلة كثيرة كإظهار كلمة التوحيد قصدا لإحراز الدم والمال لا لإقرار الواحد الحق بالوحدانية والصلاة لينظر إليه بعين الصلاح والذبح لغير الله والهجرة لينال دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها والجهاد للعصبية أو لينال شرف الذكر في الدنيا والسلف ليجربه نفعا والوصية بقصد المضارة للورثة ونكاح المرأة ليحلها لمطلقها وما أشبه ذلك (١).
"و" أما ما ورد وهو "موهم الجواز" والصحة لما تجرد من هذه المطابقة "في مواقع" ومواضع، منها: نكاح الهازل وطلاقه، وعتقه، والمكره بالباطل فإنه عند الحنفية تنعقد تصرفاته شرعا فيما لا يحتمل الفسخ بالإقامة، كما تنعقد حالة الاختيار كالنكاح والطلاف والعتق واليمين، والنذر. وما يحتمل الاقالة ينعقد كذلك، لكن موقوفا على اختيار المكره، ورضاه إلى مسائل من هذا النحو. ومنها: أن الحيل في رفع وجوب الزكاة وتحليل المرأة لمطلقها ثلاثا مقصود به خلاف ما قصده الشارع في ذلك مع أنها عند القائل بها صحيحة، ومن تتبع الأحكام الشرعية ألفى منها ما لا ينحصر، وجميعه يدل على أن العمل المشروع إذا قصد به غير ما قصده الشارع فلا يلزم أن يكون باطلا.
فالجواب عنه هو أن ذلك التصحيح "شهادة" أهل العلم المصححين "فيه بـ" جريان "قصد الشارع" إليه، ولذلك ذهبوا إليه - أي التصحيح - فيه. وبسط الشاطبي الجواب