وأما العقل فهو وإن لم يرد تحريم ما يفسده وهو الخمر إلا بالمدينة فقد ورد في المكيات مجملا إذ هو داخل في حرمة حفظ النفس كسائر الأعضاء ومنافعها من السمع والبصر وغيرهما وكذلك منافعها فالعقل محفوظ شرعا في الأصول المكية عما يزيله رأسا كسائر الأعضاء ساعة أو لحظة ثم يعود كأنه غطي ثم كشف عنه، وأيضا: فإن حفظه على هذا الوجه من المكملات، لأن شرب الخمر قد بين الله مثالها في القرآن حيث قال {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}[المائدة: ٩١] إلى آخر الآية فظهر أنها من العون على الإثم والعدوان.
وأما النسل فقد ورد المكي من القرآن بتحريم الزنا والأمر بحفظ الفروج إلا على الأزواج أو ملك اليمين. وأما المال فورد فيه تحريم الظلم وأكل مال اليتيم والإسراف والبغي ونقص المكيال أو الميزان والفساد في الأرض، وما دار بهذا المعنى.
وأما العرض الملحق بها فداخل تحت النهي عن إذاية النفوس، ولم ترد هذه الأمور في الحفظ من جانب العدم وحفظها من جانب الوجود حاصل، ففي الأربعة الأواخر ظاهر وأما الدين فراجع إلى التصديق بالقلب والانقياد بالجوارح؛ والتصديق بالقلب آت بالمقصود في الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخَر، ليفرع عن ذلك كل ما جاء مفصلا في المدني، فالأصل وارد في المكي، والانقياد بالجوارح حاصل بوجه واحد ويكون ما زاد على ذلك تكميلا، وقد جاء في المكي من ذلك النطق بالشهادتين والصلاة والزكاة، وذلك يحصل به معنى الانقياد، وأما الصوم والحج فمدنيان من باب التكميل على أن الحج كان من فعل العرب أولا وراثة عن أبيهم إبراهيم فجاء الإسلام فأصلح منه ما أفسدوا وردهم فيه إلى مشارعهم، وكذلك الصيام أيضًا، فقد كانت الجاهلية تصوم يوم عاشوراء وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصومه أيضًا حين قدم المدينة صامه وأمر بصيامه حتَّى نسخه رمضان، وانظر في حديث عائشة في صيام يوم عاشوراء