للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٢٣ - فَإِنْ يَكُ الْمُجَازُ حَيْث مَا ظَهَرْ … لَا عَهْدَ لِلْغرْبِ بِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ

وعلى هذا المجاز في قول آخرين عند من ينكر حمل اللفظ على مجازه وحقيقته على سبيل الشمول والاستغراق.

وادعى قوم ومنهم الشافعي أن الجميع مراد في اللفظ الذي يحتمل الدلالة على الحقيقة والمجاز بناء على القول بتعميم اللفظ المشترك، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه هذا إذا كان قد قام به الشرط المذكور.

"فإن يك" هذا الشرط قد عدم فإن "المجاز حيث ما ظهر" في الكلام إذا كان "لا عهد للعرب به" في تصاريف كلامهم واستعمالاتهم فيه فإنه لا يلتفت إليه إذ هو لم يعنِ و"لم يعتبر" لما تقدم من أنه لا مبالاة بما هو خارج عن معهود اللسان العربي مثال الذي تخلف فيه ذلك الشرط قوله - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النِّسَاء: ٤٣] فالمفسرون هنا على أن المراد بالسكر ما هو الحقيقة أو سكر النوم وهو مجاز فيه مستعمل وأن الجنابة والغسل منها على حقيقته فلو فسر على أن السكر هو سكر الغفلة والشهوة وحب الدنيا المانع من قبول العبادة في اعتبار التقوى كما منع سكر الشراب من الجواز في صلب الفقه، وإن الجنابة المراد بها التضمخ بدنس الذنوب والاغتسال هو التوبة لكان هذا التفسير غير معتبر، لأن العرب لم تستعمل مثله في مثل هذا الموضع ولا عهد لها به، لأنها لا تفهم من الجنابة والاغتسال إلا الحقيقة، ومثله قول من زعم أن النعلين في قوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢] إشارة إلى خلع الكونين فهذا على ظاهره لا تعرفه العرب لا في حقائقها المستعملة ولا في مجازاتها وربما نقل في قوله صلى الله عليه وسلم: "تداووا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء" أن فيه إشارة إلى التداوي بالتوبة من أمراض الذنوب وكل ذلك غير معتبر فلا يصح استعمال الأدلة الشرعية في مثله وأول قاطع فيه أن القرآن أنزل عربيا وبلسان العرب وكذلك السنة إنما جاءت على ما هو معهود لهم وهذا الاستعمال خارج عنه ولهذا المعنى تقرير في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله فإن نقل في التفسير نحوه عن رجل يعتد به في أهل العلم فالقول فيه مبسوط بعد هذا بحول الله (١).


(١) الموافقات ٣/ ٣٩ - ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>