" و" الأمر الثالث هو "أن يرى" ذلك المعنى المأول به وهو "يقبله اللفظ الذي أول" وأخرج عن ظاهره "لا يأباه" باعتبار حاله والقرائن المحيطة به "عند المأخذ" أي أخذه مؤولا، فإن لم يقبله فاللفظ نص لا احتمال فيه، فلا يقبل التأويل، وإن قبله فإنه لا بد مع ذلك أن يكون جاريا على ما تقتضيه الأدلة الخارجية في شأنه، فاللفظ لا يصار إلى تأويله بمجرد قبوله لذلك بل لا بد في ذلك من موجب - دليل - له.
قال إمام الحرمين: إن المؤول يعتبر بما يعضد التأويل به، فإن كان ظهور المأول زائدا على ظهور ما عضد التأويل به فالتأويل مردود، وإن كان ما عضد التأويل به أظهر، فالتأويل سائغ، معمول به (١).
وقال الشاطبي: وإن قبله اللفظ فإما أن يجري على مقتضى العلم أولا، فإن جرى على ذلك فلا إشكال في اعتباره لأن اللفظ قابل له والمعنى المقصود من اللفظ لا يأباه، فاطراحه إهمال لما هو ممكن الاعتبار قصدا، وذلك غير صحيح ما لم يقم دليل آخر على إهماله أو مرجوحيته، وأما إن لم يجر على مقتضى العلم فلا يصح أن يحمله اللفظ على حاله، والدليل على ذلك أنه لو صح لكان الرجوع إليه مع ترك اللفظ الظاهر رجوعا إلى العمى ورميا في جهالة، فهو ترك للدليل لغير شيء وما كان كذلك فباطل هذا وجه، ووجه ثان وهو أن التأويل إنما يسلط على الدليل لمعارضة ما هو أقوى منه، فالناظر بين أمرين إما أن يبطل المرجوح جملة، اعتمادا على الراجح، ولا يلزم نفسه الجمع وهذا نظر يرجع إلى مثله عند التعارض على الجملة وإما أن لا يبطله ويعتمد القول به على وجه فذلك الوجه إن صح واتفق عليه فذاك وإن لم يصح فهو نقض الغرض لأنه رام تصحيح دليله المرجوح لشيء لا يصح فقد أراد تصحيح الدليل بأمر باطل وذلك يقتضي بطلانه عندما رام أن يكون صحيحا هذا خلف؛ ووجه ثالث وهو أن تأويل الدليل معناه أن يحمل على وجه يصح كونه دليلا في الجملة فرده إلى ما لا يصح رجوع إلى أنه دليل لا يصح على وجه وهو جمع بين النقيضين ومثاله تأويل من تأول لفظ الخليل في قوله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النِّسَاء: ١٢٥] بالفقير فإن ذلك يصير المعنى القرآني غير صحيح، وكذلك تأويل من تأول غوى من قوله {وَعَصَى آدَمُ