وكانوا مثلي عدد المؤمنين فلا تعارض ولا نسخ بالإطلاق الأخير وقال في قوله:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النِّسَاء: ٢٤] إنه منسوخ بالنهي عن نكاح المرأة على عمتها أو خالتها وهذا من باب تخصيص العموم.
وقال وهب بن منبه في قوله:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الشّورى: ٥] نسختها الآية التي في غافر: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}[غَافر: ٧] وهذا معناه أن آية غافر مبينة لآية الشورى إذ هو خبر محض، والأخبار لا نسخ فيها، وقال ابن النحاس. هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ؛ لأنه خبر من الله، ولكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية على نسخة تلك الآية، لا فرق بينهما، يعني أنهما بمعنى واحد وإحداهما تبين الأخرى، قال: وكذا يجب أن يتأول للعلماء، ولا يتأولوا عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لما قالوه وجه، قال: والدليل على ما قلناه ما حدثناه أحمد بن محمد ثم أسند عن قتادة في قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الشورى: ٥] قال: للمؤمنين منهم.
وعن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب أن قوله:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}[التوبَة: ٣٤] الآية، منسوخ بقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التّوبَة: ١٠٣] وإنما هو بيان لما يسمى كنزا، وأن المال إذا أديت زكاته لا يسمى كنزًا، وبقي ما لم يزك داخلًا تحت التسمية، فليس من النسخ في شيء.
وقال قتادة في قوله:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عِمرَان: ١٠٢] إنه منسوخ بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: ١٦] وقاله الربيع بن أنس والسدي وابن زيد وهذا من الطراز المذكور، لأن الآيتين مدنيتان، ولم تنزلا إلا بعد تقرير أن الدين لا حرج فيه، وأن التكليف بما لا يستطاع مرفوع فصار معنى قوله:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عِمرَان: ١٠٢] فيما استطعتم وهو معنى قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: ١٦] فإنما أرادوا بالنسخ أن إطلاق سورة آل عمران مقيد بسورة التغابن.
وقال قتادة أيضا في قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البَقَرَة: ٢٢٨] إنه نسخ من ذلك التي لم يدخل بها بقوله: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزَاب: ٤٩] والتي يئست من المحيض والتي لم تحض بعد والحامل بقوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}[الطّلَاق: ٤] إلى قوله: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطّلَاق: ٤].