وإذا ثبت أن الأمر المعلق بالمطلق لا يتعلق بالمقيد - كما تقدم - لزم أن لا يكون قصد الشارع متعلقا بالمقيد من حيث هو مقيد، فلا يكون مقصودا له، لأنا قد فرضنا أن قصده إيقاع المطلق، فلو كان له قصد في إيقاع المقيد، لم يكن قصده إيقاع المطلق.
"و" ثالثها: أن "الأمر من باب الثبوت" مدلوله ومقتضاه "و" ثبوت الأعم "هو لا""يستلزم الأخص في ما" أي الذي "نقلا" - الألف للإطلاق - عن أهل العلم والنظر، فالأمر بالأعم لا يستلزم الأمر بالأخص. وهذا على اصطلاح بعض الأصوليين الذين اعتبروا الكليات الذهنية المجردة من التشخص في الأمور الشرعية (١).
وأما ما قد يعترض به من أنه لو كان الأمر بالمطلق من حيث هو مطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد لكان التكليف به محالا أيضا لأن المطلق لا يوجد في الخارج وإنما هو موجود في الذهن والمكلف به يقتضي أن يوجد في الخارج إذ لا يقع به الامتثال إلا عند حصوله في الخارج.
وإذ ذاك يصير مقيدا فلا يكون بإيقاعه ممتثلا والذهني لا يمكن إيقاعه في الخارج فيكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق وهو ممتنع فلا بد أن يكون الأمر به مستلزما للأمر بالمقيد وحينئذ يمكن الامتثال فوجب المصير إليه بل القول به.
والثاني أن المقيد لو لم يقصد في الأمر بالمطلق لم يختلف الثواب باختلاف الأفراد الواقعة من المكلف لأنها من حيث الأمر بالمطلق على تساو فكان يكون الثواب على تساو أيضا وليس كذلك بل يقع الثواب على مقادير المقيدات المتضمنة لذلك المطلق فالمأمور بالعتق إذا أعتق أدون الرقاب كان له من الثواب بمقدار ذلك وإذا أعتق الأعلى كان ثوابه أعظم وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الرقاب فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وأمر بالمغالاة في أثمان القربات كالضحايا وبإكمال الصلاة وغيرها من العبادات حتى يكون الأمر فيها أعظم ولا خلاف في أن قصد الأعلى في أفراد المطلقات المأمور بها أفضل وأكثر ثوابا من غيره فإذا كان التفاوت في أفراد المطلقات موجبا للتفاوت في الدرجات لزم من ذلك كون المقيدات مقصودة للشارع
(١) انظر المستصفى للغزالي الفصل الثاني من الفن الأول.