" و" أما من هو "مطلق لذلك" وهو أن الرخص تخصص العزائم فإن "في التحقيق" إنما أجرى كلامه "على مجاز القول لا" على القول "الحقيقي" الذي مدلوله هو قصر العامّ على بعض أفراده والرّخص لا تقتضي هذا الأمر في شأن العزائم، فهي لا تقصرها على بعض أفرادها، لأنّ الرّخص جارية مع ثبوت أحكام العزائم في مواطنها، فهي لم تستثن أيّ فرد من أفرادها ولم تخرجه عن حكمها، كما في أمر تخصيص العامّ في شأن أفراده "إذ مقتضى الرّخصة" ومفادها هو "رفع الحرج" عمّن شرّعت له فارتكبها "و" بذلك فإنّ شأن الرّخصة والعزيمة "ليس" في الذي يسري عليه حكم "التّخيير" الدّال على تغيير حكم العزيمة الأصلي الذي هو الوجوب "بالمندرج" الدّاخل، إذ لم يأت دليل يدلّ على جريان التخيير في ذلك. "وقد مضى" ذكر "ذلك" الفرق الذي بين التّخيير ورفع الحرج في هذا الشّأن "بالبيان" والتّوضيح الكافي، وذلك في كتاب "الأحكام" في فصل العزائم والرّخص، وإذا ثبت ذلك فالعزيمة على كمالها وأصالتها في الخطاب بها لم يلحقها تبديل ولا تغيير، وللمخالفة حكم آخر.
وأيضا: فإنّ الخطاب بالعزيمة من جهة حقّ الله - تعالى - والخطاب بالرّخصة من جهة حقّ العبد، فليسا بواردين على المخاطب من جهة واحدة، بل من جهتين مختلفتين، وإذا اختلفت الجهات أمكن الجمع، وزال التناقض المتوهّم في الإجتماع، وبذلك "فالشّأن" والأمر "فيها" أي الرّخص من حيث تخلّف العزيمة في مواطنها مثل "الشّأن في النّسيان" والخطإ والإكراه وغيرها من الأعذار الّتي يتوجه الخطاب مع وجودها، مع أنّ التّخلّف غير مؤثم ولا موقع في محظور، وعلى هذا ينبني معنى آخر يعمّ هذه المسألة وغيرها، وهو أنّ العمومات الّتي هي عزائم إذا رفع الإثم عن المخالف فيها لعذر من الأعذار، فأحكام تلك العزائم متوجهة على عمومها من غير تخصيص، وإن أطلق عليها أنّ الأعذار خصّصتها فعلى المجاز لا على الحقيقة، ولنعدّها مسألة على حدتها، وهي (١):
فيما تقدّم ذكره من الأعذار لا تخصّص عمومات العزائم.