للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الله! أحرام هو؟ قال: "لا ولكنّي أكرهه من أجل ريحه" وفي رواية أنّه قال لأصحابه: "كلوا فإنّي لست كأحدكم، إنّي أخاف أن أؤذي صاحبي" وروي في الحديث أن سودة بنت زمعة خشيت أن يطلّقها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالت: لا تطلّقْنِي وأمسكني، واجعل يومي لعائشة. ففعل، فنزلت: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: ١٢٨] فكان هذا تأديبًا وبيانًا بالقول والفعل لأمر ربّما استقبح بمجرى العادة، حتى يصير كالمكروه، وليس بمكروه.

والأدلّة على هذا الفصل نحو من الأدلّة على استقرار المندوبات (١).

وكذلك لا يسوّى بين المباح والمندوب حتّى لا يظنّ كونه - أي المباح عبادة "أو قربة" - بضمّ القاف - ما يتقرب به إلى الله - تعالى - من العمل الصالح "إلَّا مع التّنبيه" بالقول أو غيره على التّفرقة بين المباح والمندوب، وبين المباح والمكروه فإنّه إن سوّى بين المباحات والمندوبات بالدّوام على فعلها على كيفيّة فيها معيّنة من غير التّنبيه المذكور وغير ذلك توهّمت مندوبات كما تقدّم في مسح الجباه بأثر الرّفع من السجود ومسألة عمر بن الخطاب في غسل ثوبه من الاحتلام وترك الاستبدال به، وقد حكى عياض عن مالك أنّه دخل على عبد الملك بن صالح أمير المدينة، فجلس ساعة ثم دعا بالوضوء والطعام، فقال: "ابدأوا بأبي عبد الله، فقال مالك: إن أبا عبد الله - يعني نفسه - لا يغسل يده، فقال: لم؟ قال: ليس هو الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، إنّما هو من رأي الأعاجم، وكان عمر إذا أكل مسح يده بباطن قدمه.

فقال له عبد الملك: أأترك يا أبا عبد الله؟ قال: إي والله، فما عاد إلى ذلك ابن صالح. قال مالك: ولا نأمر الرّجل أن لا يغسل يده، ولكن إذا جعل ذلك كأنّه واجب عليه فلا، أميتوا سنّة العجم، وأحيوا سنّة العرب، أما سمعت قول عمر: تمعْددُوا، واخشوشنوا، وامشوا حفاة، وإياكم وزِيَّ العجم" (٢).


(١) انظر الموافقات ٣/ ٢٧٨ - ٢٧٩.
(٢) انظر الموافقات ٣/ ٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>