وتفصيل، فجرى في شأنه اختلافهم لذلك. "لكن" الصحيح هو "الاعتماد في البيان" مطلقا "عليهم" لأنّ ذلك يرجّحه و"يعضده" أي يقوّيه "أمران":
أحدهما:"علمهم" الصّحيح المتين "بمقتضى" ومدلول "اللّسان" العربيّ "من جهة" دلالة "الألفاظ" اللّغوية "و" من جهة ما قد يقصد بها من "المعانِـ"ــي المجازيّة وغيرها، وذلك لأنّهم عرب فصحاء، لم تتغيّر ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم. فهم أعرف في فهم الكتاب والسنّة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قول، أو عمل واقع موقع البيان صحّ اعتماده من هذه الجهة. "و" الثاني "كونهم مباشري" ومتولّي "الوقائع" والأحداث - النّوازل - التي تنزل بهم، فكانوا لذلك أعلم من غيرهم بحقائقها، وكذلك كونهم "مشاهدي" تنزيل "الوحي بكلّ" نصّ "واقع" نزوله، والخطاب به، سواء كان من الكتاب أو من السنّة.
"فهم لـ" أجل "ذين" الأمرين اللّذين امتازوا هم بهما "أقعد" أي أولى وأجدر "البريّة" أي النّاس "بالفهم" والبيان للنّصوص الشّرعيّة، وذلك أن هذين الأمرين متضمنان "لـ" ما لا تحمله الألفاظ، ولا تدلُّ عليه بدلالتها المعروفة وهو "القرائن الحالية" التي تصحب النّوازل وأهلها، وتضمر في الكلام عادة، ومنها: أسباب التّنزيل، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وإن أخبر بالخبر، فما راء كمن سمع وبذلك.
"فـ" إنّه "حيث جاء" وورد "عنهم تبيين حكم" كتقييد مطلق أو تخصيص عامّ، أو تبيين معنى لفظ تعلّق به حكم شرعيّ "فالاتباع" في ذلك كلّه لهم رجحانه وصحّته أمر "مستبين" ظاهر، وقد أخذ بعض العلماء بهذا في مجاري تفقّههم في النّصوص الشّرعيّة، "و" في هذا الشّأن "انظر لمالك" - رحمه الله تعالى - "فإنّه" في موطّئه قد "اعتبر في "فهم ومعرفة "مقتضى" ومعنى ألفاظ "السّنّة" النّبويّة ما أفاده ودلّ عليه "تبيين" وتفسير "الأثر" المنقول عن الصّحابة، فكان يعتمد على ذلك في بيان السّنن، وما يعمل به منها، وما لا يعمل به