تراعى به في بناء الأحكام الفقهية، وبالمسالك التي تسلك بموجبها في الأعمال، وبالضوابط التي تضبط النفس بها عملا بمقتضاها.
وأنت خبير بأنه قد مر في "كتاب المقاصد" أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح، وإن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك، لا من حيث إدراك المكلف، إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات.
واستقر بالاستقراء التام أن المصالح على ثلاث مراتب، فإذا بلغ الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله (١).
"ثم" الوصف الثاني وهو "تمكّن" هذا المجتهد "من استنباط" واستخراج "ما رام" وقصد من تلك المقاصد "تنزلا" يعني تنزيلا له "على" وفق "ما قد فهما" - الألف للإطلاق - يعني فهمه في تلك المقاصد.
"وذاك" التمكن "راجع" ثبوته في نفس المجتهد "إلى حصول معارف" له ترشد و"تهدي إلى السبيل" الأنهج في ذلك، وهو السبيل الموصل إلى حصول هذا الاجتهاد وتحققه على الوجه المطلوب شرعا. وهذه المعارف تجدها مبثوثة على تمام استقصاء في علم الأصول - أصول الفقه - وعلم القواعد الفقهية، فهناك تجدها متضمنة مبسوطا الكلام فيها.
لكن هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالما بها مجتهدا فيها، وتارة يكون حافظا لها متمكنا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها، وتارة يكون غير حافظ ولا عارف، إلا أنه عالم بغايتها وأن له افتقارا إليها في مسألته التي يجتهد فيها، فهو بحيث إذا عنت له مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة