للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعنه: الاعتبار بسماع النِّداء؛ لقوله : «الجمعةُ على مَنْ سمعَ النِّداءَ» رواه أبو داود، وقال: (إنَّما أسنده قَبِيصَة)، قال البَيهَقيُّ: (هو من الثِّقات)، قال في «الشَّرح»: (الأَشْبه أنَّه من كلامِ عبد الله بن عمرٍو) (١)، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ، ولفظُه: «إنَّما الجمعةُ على من سمع النِّداء» (٢).

والعِبرةُ بسماعه من المنارة لا بين يدي الإمام، نَصَّ عليه (٣)، زاد بعضهم: غالبًا من مكانها، أو من أطراف البلد.

وعنه: يجب على من يَقدِر على الذَّهاب إليها، والعَودِ إلى أهله في يومه (٤)، رُوي عن أنَسٍ والحسَن (٥).

والأوَّلُ المذهبُ؛ لظاهر الآية، ولأنَّهم (٦) من أهل الجمعة، يَسمعون النِّداء كالمِصر، واعتبارُ سَماع النِّداء غيرُ مُمكنٍ؛ لأنَّه يكون فيهم الأصمُّ وثقيلُ السَّمع، وقد يكون بين يدَي الإمام، فيَختصُّ بسماعه أهل المسجد، فاعتُبر بمظنَّته، والموضع الذي يسمع فيه النِّداء غالبًا إذا كان المؤذِّنُ صيِّتًا، والرِّياحُ ساكنةً، والأصواتُ هادئةً، والعوارضُ مُنتفيةً: هو فَرْسَخٌ.

فلو سمعته قريةٌ من فوق فرسخٍ لعلوِّ مكانها، أو لم يسمعه من دونه لجبلٍ حائلٍ أو انخفاضها؛ فعلى الخلاف، وحيث لَزمهم، لم تنعقِد بهم؛ لئلاَّ يصير التَّابع أصلاً.

وأمَّا إذا كان في البلد؛ فيجب عليه السَّعي إليها، قرُب أو بعُد، سمع النِّداء أو لم يسمعه؛ لأنَّ البلد كالشَّيء الواحد.

(إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ (٧) عُذْرٌ) من مرضٍ ونحوِه؛ لأنَّه معذورٌ.

(وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ) له القصرُ؛ لأنَّ النَّبيَّ وأصحابَه كانوا يسافرون في الحجِّ وغيرِه، فلم يصلِّ أحدٌ منهم الجمعةَ فيه مع اجتماع الخلقِ الكثيرِ، وكما لا يلزمه بنفسه؛ لا يلزمه بغيره، نَصَّ عليه (٨)، لكن إن كان عاصيًا (٩)


(١) الشرح الكبير ٢/ ١٤٦.
(٢) أخرجه أبو داود (١٠٦٥)، والدارقطني (١٥٨٩)، وفي سنده راويان مجهولان: أبو سلمة بن نبيه وعبدالله بن هارون، واختلف في رفعه ووقفه، وأشار أبو داود إلى ذلك بقوله: (روى هذا الحديثَ جماعةٌ عن سفيانَ مقصورًا على عبدِ الله بن عمرو، ولم يرفعوه، وإنما أسنده قَبِيصةُ)، وقبيصة بن عقبة، وإن كان ثقة إلا أنه متكلم في روايته عن الثوري وهذا منه، قال ابن معين: (قبيصة ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان ليس بذاك القوي، فإنه سمع منه وهو صغير)، وهذه الرواية منها، ورجح وقفه الإشبيلي وابن رجب وغيرهما. ينظر: فتح الباري ٨/ ١٥٨، البدر المنير ٤/ ٦٤٢.
(٣) ينظر: بدائع الفوائد ٤/ ٥٥، فتح الباري لابن رجب ٨/ ٢٣٠.
(٤) في (أ): قومه.
(٥) أخرجه ابن المنذر في الأوسط (١٧٥٥)، عن أنس بلفظ: «تجب الجمعة على من آواه الليل إلى رحله»، وإسناده صحيح.
وأثر الحسن: أخرجه عبد الرزاق (٥١٥٢)، وابن أبي شيبة (٥٠٨٠)، مثله.
(٦) في (أ): لأنَّهم.
(٧) قوله: (له) سقط من (أ).
(٨) ينظر: مسائل عبد الله ص ١٢٥، مسائل ابن منصور ٢/ ٨٦٦، مسائل أبي داود ص ٨٢.
(٩) قوله: (عاصيًا) سقط من (ب) و (و).