للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يُمنَعُ مِنْ إسْقاطِ بعضِ حقِّه، كما لا يُمنَعُ مِنْ اسْتِيفائه؛ لأِنَّه « كَلَّم غُرَماءَ جابِرٍ لِيَضَعُوا عنه» (١)، وقَضِيَّةُ كَعْبٍ مع (٢) ابنِ أبي حَدْرَدٍ شاهدةٌ بذلك (٣).

قال أحمد (٤): إذا كان للرجل (٥) على آخَرَ دَينٌ ليس عنده وفاءٌ، فوضَع عنه بعضَ حقِّه وأخذ منه الباقِيَ كان ذلك جائزًا لهما إذا كان بلفظ الإبْراء.

فإن كان بلفظ الصُّلح؛ فأشْهَرُ الرِّوايَتَينِ: أنَّه لا يَصِحُّ، وهي الأصحُّ؛ لأِنَّه صالَح عن بَعْض ماله ببعضٍ، فهو هَضْمٌ للحقِّ.

والثَّانية، وهي ظاهر «الموجز» و «التَّبصرة»، ويَحتَمِله كلامُ المؤلِّف: يَصِحُّ.

وبالجملة: فقد مَنَعَ الخِرَقيُّ وابنُ أبي موسى الصُّلحَ على الإقرار، وأباهُ الأكثرون، كما اقْتضاهُ كلامُ المؤلِّف.

فعلى الأوَّل: إن وفَّاه من جنسِ حقِّه؛ فهو وفاءٌ، ومن غير جنسه؛ معاوَضةٌ، وإنْ أبْرَأه من بعضه فهو إبْراءٌ، وإنْ وَهَبه بعضَ العَين فهو هِبةٌ، ولا يُسمَّى صُلْحًا، فالخِلافُ إذِنْ في التَّسمية، قالَه في «المغني» و «الشرح»، وأمَّا المعنى فمتَّفَقٌ عليه.

وشَرْطُه: (إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه أكْلٌ لمال الغَير بالباطل، وهَضْمٌ للحقِّ، (أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ)؛


(١) أخرجه البخاري (٢٣٩٥).
(٢) قوله: (مع) سقط من (ق).
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٧)، ومسلم (١٥٥٨)، عن كعب ، أنه تقاضى ابن أبي حَدرَد دينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى: «يا كعب»، قال: لبّيك يا رسول الله، قال: «ضعْ منْ دينك هذا»، وأَومأ إليه: أي الشَّطر، قال: لقد فعلتُ يا رسول الله، قال: «قمْ فاقضِه».
(٤) ينظر: المغني ٤/ ٣٦٣.
(٥) في (ظ): لرجل.