للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لم يَقُل الشَّارعُ ما يَحرُمُ بالمصاهَرَة، فأمُّ امْرأتِه برضاعٍ، وامرأةُ ابنه أو أبيه من الرَّضاعة التي لم تُرْضِعْه، وبنت امرأته بلَبَنِ غَيرِه؛ حَرُمْنَ بالمصاهَرة لا بالنَّسب، ولا نسبَ ولا مُصاهَرةَ بَينَه وبَينَهنُّ، فلا تحريمَ (١).

وقد اسْتَثْنَى من كلامه بعضُ أصحابنا: إلاَّ أمَّ أخته وأخت ابنه، فإنَّهما لا يَحرُمان، والصَّواب عِنْدَ الأكثر: عَدَمُ استثنائهما؛ لأِنَّ أمَّ أخته إنَّما حَرُمَتْ في غير هذا الموضِعِ؛ لكَونِها زوجةَ أبيه، وهو تحريمٌ بالمصاهرة لا تحريمَ نَسَبٍ، وأخت ابنه؛ لأِنَّها ربيبتُه (٢).

فَرْعٌ: ظاهِرُ كلامِه: لا فَرْقَ بَينَ الرَّضاع (٣) والمحظور، ذَكَرَه القاضي في «تعليقه» بأنَّه إجماعٌ.

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ: أُمَّهَاتُ نِسَائِهِ)؛ أيْ: إذا تزوَّج امرأةً حَرُمَ عليه كلُّ أُمٍّ لها من نَسبٍ أوْ رضاعٍ، قريبةً أوْ بعيدةً، بمجرَّد العَقْد، نَصَّ عليه (٤)، وهو قَولُ عمرَ، وابنِ مسعودٍ (٥)،


(١) ينظر: الفروع ٨/ ٢٣٦، الاختيارات ص ٣٠٨.
(٢) في (ق): ربيبة.
(٣) كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي ٥/ ١٥٦: الرضاع المباح.
(٤) ينظر: مسائل ابن منصور ٤/ ١٥٤٤.
(٥) أخرجه عبد الرزاق (١٠٨١١)، وسعيد بن منصور (٩٣٦)، وابن أبي شيبة (١٦٢٧٠)، والطبراني في الكبير (٨٥٧٩)، والبيهقي في الكبرى (١٣٩٠٣)، عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن مسعود، أن رجلاً تزوَّج امرأة، ثم رأى أمَّها فأعجبته، فاستفتى ابن مسعود، فأمره أن يُفارقها، ثم يتزوج أمها، فتزوجها، ثم أتى ابن مسعود المدينة، فسأل عن ذلك، فأُخبر أنه لا تحلُّ له، فقال للرجل: «إنها عليك حرام، إنها لا تنبغي لك ففارِقْها»، وإسناده صحيح. وأخرجه يعقوب في المعرفة (١/ ٤٣٩)، والبيهقي في الكبرى (١٣٩٠٦)، من طريق أخرى عن أبي عمرو: كان ابن مسعود يرخص في رجل تزوج امرأة، فماتت قبل أن يدخل بها أن يتزوج أمها، فأتى المدينة، فكأنه لقي عمر بن الخطاب ، فرجع. وإسناده صحيح أيضًا.