للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَتَوْبَتُهُ: أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ)، نَصَّ عَلَيهِ (١)، جَزَمَ به في «المحرَّر»، وقدَّمه في «الرِّعاية»؛ لقوله في قَولِه تعالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النور: ٥]: «توبتُه (٢) أنْ يُكْذِبَ نَفْسَه» (٣)، ولِكَذِبِه حُكْمًا.

(وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ (٤): قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ)؛ لِأنَّ المقصودَ يَحصُلُ بذلك، ولِأنَّ النَّدَمَ تَوبَةٌ؛ للخبر (٥)، وإنَّما اعْتُبِرَ القَولُ؛ لِيُعلَمَ تحقُّقُ النَّدم.

وقِيلَ: إنْ كان سَبًّا؛ فالتَّوبةُ منه إكْذابُ نَفْسه، وإنْ كان شهادةً؛ فبِأَنْ يَقُولَ: القَذْفُ حرامٌ باطِلٌ، ولن أَعُودَ إلى ما قُلْتُ، اخْتارَهُ القاضِي وصاحِبُ «التَّرغيب»، قال القاضِي: هو المذْهَبُ؛ لأِنَّه قد يكُونُ صادِقًا، فلا يُؤمَرُ بالكَذِبِ، وهو قَولُ السَّامَرِّيِّ، إلَّا أنَّه قال: يَقُولُ: نَدِمْتُ على ما كان مِنِّي، ولا أَعُودُ إلى ما أُتَّهَم فيه، ولا أَعُودُ إلى مِثْلَ ما كان مِنِّي؛ لِأنَّ في ذلك ألَّا يَشهَدَ.


(١) ينظر: مسائل صالح ١/ ٤٣٨، مسائل ابن منصور ٧/ ٣٣٨١، مسائل عبد الله ص ٤٣٧.
(٢) في (ن): وتوبته.
(٣) لم نجد فيه شيئًا مرفوعًا، وقد أورد الطبري في تفسيره (١٧/ ١٦٢) آثارًا عن جمع من السلف في هذا المعنى، منها ما أخرجه عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة، وشِبْل بن معبد، ونافع بن الحارث بن كلدة، حدَّهم وقال لهم: «من أكذب نفسه أجزتُ شهادتَه فيما استقبلَ، ومن لم يفعل لم أجز شهادته»، فأكذب شِبلٌ نفسه ونافعٌ، وأبى أبو بكرة أن يفعلَ. قال الزهري: «هو والله سنّةٌ، فاحفظوه»، ولا بأس بإسناده.
(٤) قوله: (أن يقول) سقط من (م).
(٥) أخرجه أحمد (٣٥٦٨)، وابن ماجه (٤٢٥٢)، والطيالسي (٣٨٠)، والحاكم (٧٦١٢)، عن ابن معقل، قال: دخلت مع أبي على عبد الله - يعني ابن مسعود ، فسمعته يقول: قال رسول الله : «الندم توبة»، وحسنه ابن حجر، وصححه الحاكم والذهبي، قال البوصيري: (هذا إسناد صحيح رجاله ثقات). ينظر: مصباح الزجاجة ٤/ ٢٤٨، فتح الباري ١٣/ ٤٧١.