للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى مالك والخمسة، وصحَّحه ابن حبَّان من حديث أبي هريرة: أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ عن الوضوء بماء البحر، فقال: «هو الطَّهور ماؤه» (١)، ولو لم يكن الطَّهور متعدِّيًا بمعنى المطهِّر؛ لم يكن ذلك جوابًا للقوم حيث سألوه عن التَّعدِّي؛ إذ ليس كلُّ طاهر مطهِّرًا.

وأمَّا قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسَان: ٢١] فمعناه: طاهرًا مطهِّرًا، وإن لم يحتج هناك إلى التَّطهير؛ إذ لا نجاسة فيها؛ لأنَّ القصد وصفه بأعلى الأشربة عندنا، وهو الماء الجامع للوصفين، وقال ابن عباس: «شرابًا طهورًا؛ أي: مطهِّرًا من الغلِّ والغشِّ» (٢).

وقولهم: إنَّ العرب سوَّت بينهما في اللُّزوم والتَّعدِّي؛ قلنا: قد فرَّقوا بينهما في الجملة فقالوا: قَتول، لمن كثر منه القتل، فيجب أن يفرَّق هنا، وليس الأمر إلَّا من حيث اللُّزوم والتَّعدِّي.

قال القاضي وغيره (٣): (وفائدة الخلاف: أنَّ عندنا أنَّ النَّجاسة لا تُزال بشيء من المائعات غير الماء، وعندهم يجوز).


(١) أخرجه أحمد (٧٢٣٣) وأبو داود (٨٣)، والترمذي (٦٩)، والنسائي (٥٩)، وابن ماجه (٣٨٦)، وابن خزيمة (١١١)، وابن حبان (١٢٤٣)، وصححه البخاري، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه جماعة منهم: ابن خزيمة، وابن حبان، وابن عبد البر؛ وبيَّن أن الفقهاء تلقوه بالقبول والعمل، ووقع في إسناده اختلاف غير مؤثر، وعنه أجوبة. ينظر: العلل الكبير للترمذي (٣٣)، التمهيد لابن عبد البر (١٦/ ٢١٨ - ٢١٩)، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (١/ ١٠)، التلخيص الحبير لابن حجر (١/ ١١٧).
(٢) لم نقف عليه عن ابن عباس ، وقد فسره ابن كثير في تفسيره بذلك أيضًا (٤/ ٢٤)، دون نسبته لأحد.
(٣) قوله: (وغيره) هو في (أ) و (ب): أبو الحسين.
وهو محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، القاضي الشهيد، ابن شيخ المذهب القاضي أبي يعلى، كان عارفًا بالمذهب، من مصنفاته: طبقات الحنابلة، التمام، المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد، توفي سنة ٥٢٦ هـ. ينظر: ذيل الطبقات ١/ ٣٩١.