فصل: إذا قتَل رَجُلًا وادَّعَى أنَّه كان عَبْدًا، أو ألْقَى عليه حائِطًا وادَّعَى أنَّه كان مَيِّتًا، وأنْكَرَ وَلِيُّه، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يَمِينِه. وهو أحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ. وقال في الآخَرِ: القولُ قولُ، الجانِى؛ لأَنَّ الأَصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، وما ادَّعاه مُحْتَمِلٌ، فلا يَزُولُ عن اليَقِينِ بالشَّكِّ. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ حياةُ المَجْنِىِّ عليه وحُريَّتُه، فيَجِبُ الحُكْمُ ببَقائِه، كما لو قتَل مُسْلِمًا وادَّعَى أنَّه ارْتَدَّ قبلَ قَتْلِه، وبهذا يَبْطُلُ ما ذكَرَه. وإن قطَع عُضْوًا وادَّعَى شَلَلَه، أو قلَع عَيْنًا وادَّعَى عَماهَا، وأنْكَرَ المَجْنِىُّ عليه، فالقولُ قولُه؛ لأَنَّ الأَصْلَ السَّلامةُ. وهكذا لو قطًع ساعِدًا وادَّعَى أنَّه لم يَكُنْ عليه كَفٌّ، أو ساقًا وادَّعَى أنَّه لم يَكُنْ لها قَدَمٌ. وقال القاضى: إنِ اتَّفَقَا على أنَّه كان بَصِيرًا، فالقولُ قولُ المَجْنِىِّ عليه، وإلَّا فالقولُ قولُ الجانِى. وهذا مذهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ هذا [ممَّا لا](١) يَتَعَذَّرُ إقامَةُ البَيِّنَةِ عليه، فإنَّه لا يَخْفَى على أهْلِه وجِيرانِه ومُعامِلِيه، وصِفَةُ أدَاءِ الشَّهادةِ عليه، أنَّه كان يُتْبعُ الشَّخْصَ بَصَرَه، ويَتَوَقَّى ما يتَوَقَّاه البَصِيرُ، ويتَجَنَّبُ البئْرَ وأشْباهَهُ في طَرِيقِه، ويَعْدِلُ في العَطَفاتِ خَلْفَ مَن يَطْلُبُه. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ السَّلامةُ، فكان القولُ قولَ مَن يَدَّعِيها، كما لو اخْتَلَفا في إسْلامِ المَقْتُولِ في دارِ الإِسْلامِ وفى حياتِه. قولُهم: لا يَتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَةِ عليه. قُلْنا: وكذلك لا يتَعَذَّرُ