الفصل الثانى: أنَّها تُقْبَلُ في المالِ، وما يُقْصَدُ به المالُ, كما ذكَر أبو عُبَيْدٍ، ولا تُقْبَلُ في حَدٍّ. وهذا قولُ الشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وأبى حنيفةَ. وقال مالكُ، والشافعىُّ في قولٍ، وأبو ثَوْرٍ: تُقْبَلُ في الحُدودِ، وفى كُلِّ حقٍّ؛ لأنَّ ذلك يثْبُتُ بشَهادةِ الأصْلِ، فيَثْبُتُ بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ، كالمالِ. ولَنا، أنَّ الحُدودَ مَبْنِيَّةٌ على السَّتْرِ والدَّرْءِ بالشّبُهاتِ، والإِسْقاطِ بالرُّجوعِ عن الإِقْرارِ، والشَّهادةُ على الشهادةِ فيها شُبْهَةٌ؛ فإنَّها يَتَطَرَّقُ إليها احْتِمالُ الغَلَطِ والسَّهْوِ والكَذِبِ في شُهودِ الفَرْعِ، مع احْتِمالِ ذلك في شُهودِ الأصْلِ، وهذا احْتِمال زائدٌ، لا يُوجَدُ في شُهودِ الأصْلِ، وهو مُعْتَبَرٌ، بدَلِيلِ أنَّها لا تُقْبَلُ مع القُدْرَةِ على شُهُودِ الأصْلِ، فوَجَب أن لا تُقْبَلَ فيما يَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ، ولأنَها إنَّما تُقْبَلُ للحاجَةِ، ولا حاجَةَ إليها في الحَدِّ؛ لأنَّ سَتْرَ صاحبه أوْلَى مِن الشَّهادةِ عليه، ولأنَّه لا نَصَّ فيها، ولا يَصِحُّ قِياسُها [على الأَموالِ؛ لِما بينَهما مِن الفَرْقِ في الحاجَةِ والتَّساهُلِ فيها، ولا يَصِحُّ قِياسُها](١) على شَهادةِ الأصْلِ؛ لِما ذكَرْنا، فيَبْطُلُ إثْباتُها. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّها لا تُقْبَلُ في القِصاصِ أيضًا، ولا حَدِّ القَذْفِ؛ لأنَّه قال: إنَّما تجوزُ في الحُقوقِ، أمّا الدماءُ والحَدُّ فلا.