لحُصولِ المُواجَهةِ به، ولم يَجِبْ غَسْلُ ما تحتَه؛ لأنَّه مَسْتور، أَشْبَه باطِنَ الأنْفِ. ويُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُه، وقد ذَكَرْنا ذلك في سُنَّةِ الوُضُوء، ولا يَجِبُ التَّخْلِيلُ، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا في المذهبِ، وهو مذهبُ أكْثَرِ أَهلِ العلمِ؛ لأنّ الله تعالى أَمر بالغَسْلِ ولم يَذْكُرِ التَّخْلِيلَ. ولأنَّ أَكثرَ مَن حَكَى وُضُوءَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَحْكِه، ولو كان واجبًا لَما أخَلَّ به، ولو فَعَلَه لنَقَلَه الذين نَقَلُوا وُضوءَه أو أكْثَرُهم. وتركُه لذلك يَدُلُّ على أنَّ غَسْلَ ما تحتَ الشَّعَرِ الكَثِيفِ ليس بواجِبٍ؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان كَثِيفَ اللِّحْيَةِ، فلا يَبْلُغُ الماءُ إلى ما تحتَ شَعَرِها إلا بالتَّخْلِيلِ، وفعْلُه للتَّخْلِيلِ في بعض أَحْيانِه يَدُلُّ على اسْتِحبابِه. وقال إسحاقُ: إذا تَرَك تَخلِيلَ لِحْيَتِه عامِدًا، أعادَ الوُضوءَ؛ لِما رَوَى أنَسٌ، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تَوَضَّأ أَخذ كَفَّا مِن ماء، فأدْخَلَه تحتَ حَنَكِه، وخَلَّلَ به لِحْيَتَه، وقال:«هكَذَا أَمرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ». رَواه أبو داودَ (١). ولِما ذَكرْنا مِن حديثِ ابنِ عُمَرَ. وقال عَطاءٌ، وأبو ثَوْرٍ: يَجِبُ غَسْلُ ما تحتَ الشُّعورِ الكَثِيفَةِ في الوُضوءِ، قِياسًا على الجَنابَةِ. ونَحوه قولُ سعيدِ بنِ جُبَيرٍ. وقولُ الجمهورِ أوْلَى. والفَرْقُ بينَ الوُضوءِ والغُسْلِ، أنَّ غَسْلَ باطِنِ الشَّعَرِ الكَثِيفِ، يَشُقُّ في الوُضُوءِ؛ لتَكَرُّرِه، بخِلافِ الغُسْلِ. فإن كان بعضُ الشَّعَرِ كَثِيفًا، وبَعْضُه خَفِيفًا، وَجَب غَسْلُ بَشَرَةِ الخَفِيفِ معه، وظاهِرِ الكَثِيفِ. وجميعُ شُعُورِ الوَجْه
(١) في: باب تخليل اللحية، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٣٢.