للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للمُشْرِكِين، ولم يَبْقَ ذلك المَعْنَى، إذْ قد نَفَى اللهُ المُشْرِكِين، فَلِمَ قُلْتُم: إنَّ الحُكْمَ يَيْقَى بعدَ زَوالِ عِلَّتِه؟ قُلْنا: قد رَمَلَ النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - أصْحابُه واضْطَبَعَ في حَجَّةِ الوَداعِ بعد الفَتْحِ، فثَبَتَ أنَّها سُنَّةٌ ثابِتَةٌ. وقال ابنُ عباس: رَمَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في عُمَرِه كُلِّها، وفى حَجِّه، وأبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعثمانُ، والخُلَفاءُ مِن بعدِه. رَواه الإِمامُ أحمدُ في «المُسْنَدِ» (١). وقد ذَكَرْنا حَدِيثَ عمرَ. إذا ثَبَت أنَّ الرَّمَلَ سُنَّةٌ في الأشْواطِ الثَّلاثَةِ، فإنَّه يرمُلُ مِن الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، لا يَمْشِى في شئٍ منها. رُوِىَ ذلك عن عُمَرَ، واييه، وابنِ مسعودٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وهو قولُ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وقال طاوُسٌ، وعطاءٌ، والحسنُ، وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والقاسِمُ، وسالِمُ بنُ عبدِ اللهِ: يَمْشِى ما بينَ الرُّكْنَيْن؛ لِما روَى ابنُ عباسٍ، قال: قَدِم رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه مَكَّةَ، وقد وَهَنَتْهم الحُمَّى، فقال المُشْرِكُون: إنَّه يَقْدَمُ عليكم قَوْمٌ قد وَهَنَتْهم حُمَّى يَثْرِبَ، ولَقَوْا منها شَرًّا. فأطْلَعَ الله نَبِيَّه - صلى الله عليه وسلم - على ما قَالُوا، فلَمّا قَدِمُوا قَعَد المُشْرِكُونَ مِمّا يَلِى الحِجْرَ، فأمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه أن يَرْمُلُوا الأشْواطَ الثَّلاثَةَ، ويَمْشُوا ما بينَ الرُّكْنَيْن؛ ليَرَى المُشْرِكُونَ جَلَدَهم، فلَمّا رَأوْهم رَمَلُوا، قال المُشْرِكُونَ: هؤلاء الذين زَعَمْتُم أنَّ الحُمَّى قد وَهَنَتْهم! هؤلاء أجْلَدُ منَّا. قال ابنُ عباسٍ: ولم يَمْنَعْه أن يَأْمُرَهم


(١) المسند ١/ ٢٢٥.