ولا أصحابِه الذين تَمَتَّعُوا معه في حَجَّةِ الوادعِ، ولا أمَرَ به النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا، وحَدِيثُ عائشةَ دَلِيلٌ على هذا، فإنَّها قالت: طافُوا طَوافًا واحِدًا بعدَ أن رَجَعُوا مِن مِنًى لحَجَّتِهم. وهذا هو طَوافُ الزِّيارَةِ، ولم تَذْكُرْ طَوافًا آخَرَ، ولو كان هذا الذى ذَكَرَتْه طَوافَ القُدُومِ، لكانَتْ قد أخَلَّتْ بذِكْرِ طَوافِ الزِّيارَةِ الذى هو رُكْنُ الحَجِّ، لا يَتِمُّ إلَّا به، وذَكَرَتْ ما يُسْتَغْنَى عنه، وعلى كلِّ حالٍ فما ذَكَرَتْ إلَّا طَوافًا واحِدًا، فمِن أين يُسْتَدَلُّ على طَوافَيْن؟ وأيضًا فإنَّها لَمَّا حاضَتْ، فقَرَنَتِ الحَجَّ إلى العُمْرَةِ بأمْرِ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم تَكُنْ طافَتْ للقُدُومِ، لم تَطُفْ للقُدُومِ، ولا أمَرَها به النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنَّ طَوافَ القُدُومِ لو لم يَسْقُطْ بالطَّوافِ الواجبِ، لَشُرِعَ في حَقِّ المُعْتَمِرِ طوافٌ للقُدُومِ مع طَوافِ العُمْرَةِ، ولأنَّه أوَّلُ قُدُومِه إلى البَيْتِ، فهو به أوْلَى مِن المُتَمَتِّعِ الذى يَعُودُ إلى البَيْتِ بعدَ رُؤْيَتِه وطَوافِه. وفى الجُمْلَةِ، هذا الطَّوافُ المُخْتَلَفُ فيه ليس بواجِبٍ، إنَّما الواجِبُ طَوافٌ واحِدٌ، وهو طَوافُ الزِّيارَةِ، وهو في حَقِّ المُتَمَتِّعِ كهو في حَقِّ القارِنِ والمُفْرِدِ، لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به.
فصل: والأطْوِفَةُ المَشْرُوعَةُ في الحَجِّ ثَلَاَثَةٌ؛ طَوافُ الزِّيارَةِ، وهو رُكْنٌ لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به، بغيرِ خِلافٍ. وطوافُ القُدُومِ، وهو سُنَّةٌ، لا شئَ على تَارِكِه. وطَوافُ الوَداعِ، واجِبٌ، يَجِبُ بتَرْكِه دَمٌ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه. وقال مالكٌ: على تارِكِ