يَحُجُّ مِن العامِ المُقْبِلِ. وحُكِىَ نَحْوُ ذلك عن عَطاءٍ أيضًا. ولَنا، قولُ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حينَ ذُكِرَ له أنَّ صَفِيَّةَ حاضَتْ، قال:«أحَابِسَتُنَا هِىَ؟» قيلَ: إنَّها قد أفاضَتْ يومَ النَّحْرِ. قال:«فَلْتَنْفِرْ إذًا»(١). يَدُلُّ على أنَّ هذا الطَّوافَ لا بُدَّ منه، وأنَّه حابِسٌ لمَن لم يَأْتِ به. فإن نَوَى التَّحَلُّلَ، ورَفَض إحْرامَه، لم يَحِلَّ بذلك؛ لأنَّ الإِحْرامَ لا يُخْرَجُ منه بنِيَّةِ الخُرُوجِ. ومتى رَجَع إلى مَكَّةَ، فَطافَ بالبَيْتِ، حَلَّ بطوافِه؛ لأنَّ الطَّوافَ لا يَفُوتُ وَقْتُه، علىَ ما قَدَّمْنَاه.
فصل: وتَرْكُ بعضِ الطَّوافِ كتَرْكِ الجَمِيعِ فيما ذَكَرْنا. وسَواءٌ تَرَك شَوْطًا أو أقَلَّ أو أكْثَرَ. وهذا قولُ عَطاءٍ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ. وقال أصحابُ الرَّأْى: مَن طافَ أرْبَعَةَ أشْواطٍ مِن طَوافِ الزِّيارَةِ وَطَوافِ العُمْرَةِ، وسَعَى بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ثم رَجَع إلى الكُوفَةِ، إنَّ سَعْيَه يُجْزِئُه، وعليه دَمٌ لِما تَرَك مِن الطَّوافِ بالبَيْتِ. ولَنا، أنَّ ما أتَى به لا يُجْزِئُه إذا كان بمَكَّةَ، فلم يُجْزِئْه إذا خَرَج منها، كما لو طَافَ دُونَ أرْبَعَةِ أشْواطٍ.
فصل: فإن تَرَك طَوافَ الزِّيارَةِ بعدَ رَمْى جَمْرَةِ العَقَبَةِ، لم يَبْقَ مُحْرِمًا، إلَّا عن النِّساءِ خاصَّةً؛ لأنَّه قد حَصَل له التَّحَلُّلُ الأوَّلُ برَمْى الجَمْرَةِ، فحَلَّ له كلُّ شئٍ إلَّا النِّساءَ، فإن وَطِئَ لم يَفْسُدْ حَجُّه، ولم تَجِبْ عليه بَدَنةٌ، لكنْ عليه دَمٌ، ويُجَدِّدُ إحْرامَه ليَطُوفَ في إحْرامٍ