للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْكُفَّارِ} (١). ولأنَّ الأقْرَبَ أكثرُ ضَرَرًا، وفى قِتالِه دَفْعُ ضَرَرهِ عن المُقابِلِ (٢) له، وعمَّن وراءَه، ولأنَّ الاشْتِغالَ بالبعيدِ عنه يُمَكِّنُه مِن انْتِهازِ الفُرْصَةِ في المُسْلِمِين؛ لاشْتِغَالِهم عنه. قِيلَ لأحمدَ، رَحِمَه اللَّهُ: يحْكُون عن ابنِ المُبارَكِ أنَّه قيل له: تَرَكْتَ قِتالَ العَدُوِّ عندَك، وجِئْتَ إلى ههُنا؟ قال: هؤلاء أهْلُ كتابٍ. فقال أبو عبدِ اللَّهِ: سبحان اللَّهِ، ما أدْرِى ما هذا القَوْلُ! يتْرُكُ العَدُوَّ عندَه، ويجئُ إلى ههُنا، أفَيَكُونُ هذا؟ أوَيَسْتَقِيمُ هذا؟ وقد قال اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}. ولو أنَّ أهلَ خُراسانَ كلَّهم عَمِلُوا على هذا، لم يُجاهِدِ التُّرْكَ أحدٌ. وهذا، واللَّه أعلمُ، إنَّما فَعَلَه ابنُ المُبارَكِ لكَوْنِه مُتَبَرِّعًا بالجِهادِ، والكِفايةُ حاصِلَةٌ بغَيْرِه مِن أهلِ الدِّيوانِ وأجْنادِ المسلمين، والمُتَبَرِّعُ له تَرْكُ الجِهادِ بالكُلِّيَّةِ، فكان له أنْ يُجاهِدَ حيث شاءَ، ومع مَن شاءَ. إذا ثَبَت هذا، فإنْ كان له عُذْرٌ في البدَايةِ بالأْبعَدِ؛ لِكَوْنِه أخْوَفَ، أو لمَصْلَحَةٍ في البِدايَةِ به؛ لقُرْبِه وإمْكَانِ الفُرْصَةِ منه، أو لكَوْنِ الأقْرَبِ مُهادِنًا، أو يَمْنَعُ مانِعٌ مِن قِتالِه، فلا بَأْسَ بالبدايَةِ بالأْبعَدِ؛ للحاجَةِ.

فصل: وأمْرُ الجِهادِ مَوْكُولٌ إلى الإِمامِ واجْتِهادِه، ويَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طاعَتُه فيما يَراه مِن ذلك. ويَنْبَغِى أن يَبْتَدِئَ بتَرْتِيبِ قَوْمٍ في أطْرافِ البلادِ يكُفُّونَ مَن بإزائِهِم مِن المُشْركين، ويأمُرَ بعَمَلِ حُصُونِهم، وحَفْر


(١) سورة التوبة ١٢٣.
(٢) في م: «المقاتل».