مِن كلِّ أرضٍ وشئٍ؟. فأمَّا قولُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فإنَّ مَكْحُولًا قال له حينَ قال: لا نَفَلَ بعدَ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وذكرَ له حديثَ حَبِيبِ بنِ مَسْلَمَةَ: شَغلَك أكْلُ الزَّبِيبِ بالطَّائِفِ. وما ثَبَت للنبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثَبَت للأئِمَّةِ بعدَه، ما لم يَقُمْ على تخْصِيصِه به دَلِيلٌ. وأمَّا حديثُ ابنِ عُمَرَ، فهو حُجَّةٌ عليهم، فإنَّ بعيرًا علِى اثْنَىْ عَشَرَ، يَكُونُ جُزْءًا مِن ثَلاثَةَ عَشَرَ، وخُمْسُ الخُمْسِ جزءٌ مِن خَمْسَةٍ وعِشْرِين جزءًا، وجزءٌ مِن ثَلاثَةَ عَشَرَ أكثرُ، فلا يُتَصَوَّرُ أخْذُ الشئِ مِن أقلَّ منه، فيَتَعَيَّنُ أن يَكُونَ مِن غيرِه، أَوْ أنَّ النَّفَلَ كان للسَّرِيَّةِ دُونَ سائِرِ الجَيْشِ. على أنَّ ما رَوَيْناه صَرِيحٌ في الحُكْمِ، ولا يُعارَضُ بشئٍ مُسْتَنبطٍ، يَحْتَمِلُ غيرَ ما حَمَلَه عليه مَن اسْتَنْبَطَه. إذا ثَبَت هذا، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّهم إنَّما يَسْتَحِقُّونَ هذا بالشَّرْطِ السّابِقِ، فإن لم يَكُنْ شَرَطَه لهم فلا. قِيلَ له: أليس قد نَفَّلَ النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في البَدْأةَ الرُّبْعَ، وفى الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ؟ قال: نعم، ذاك إذا نَفَّلَ. وتَقَدَّمَ القَوْلُ فيه. فعلى هذا، إن رَأَى الإِمامُ أن لا يُنَفِّلَهم، فله ذلك، وإن رَأى أن يُنَفِّلَهم دُونَ الثُّلُثِ والرُّبْعِ، فله ذلك؛ لأنَّه إذا جازَ تَرْكُ النَّفَلِ كلِّه، جازَ تَرْكُ البعضِ. ولا يجوزُ أن يُنَفِّلَ أكثرَ مِن الثُّلُثِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهذا قولُ مَكْحُولٍ، والأوْزَاعِىِّ، وجُمْهورِ العُلَماءِ. وقال الشافعىُّ: لا حَدَّ للنَّفَلِ، بل هو مَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِ الإِمامِ؛ لأنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نفَّلَ مَرَّةً الثُّلُثَ، ومَرَّةً الرُّبْعَ. وفى حديثِ ابنِ عُمَرَ نَفَّلَ نِصْف