عَوْفُ بنُ مالكٍ، وخالِدُ بنُ الوليدِ، أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى في السَّلَبِ للقاتِل، ولم يُخَمِّسِ السَّلَبَ. رَواه أبو داودَ (١). وخبرُ عُمَرَ حُجَّةٌ لنا، فإنَّه قال: إنَّا كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ. وقولُ الرَّاوِى: كان أوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ في الإِسْلامِ. يَعْنِى أن النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبا بكرٍ، وعُمَرَ صَدْرًا مِن خِلافَتِه، لم يُخَمِّسُوا سَلَبًا، واتِّباعُهم أوْلَى. قال الجُوزْجانِىُّ: لا أظُنُّه يجُوزُ لأحَدٍ في شئٍ سَبَق فيه مِن رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شئٌ إلَّا اتِّباعُه، ولا حُجَّةَ في قولِ أحَدٍ مع قولِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما ذَكَرْناه يَصْلُحُ أن يُخصَّصَ به عُمومُ الآيةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ السَّلَبَ مِن أصْلِ الغَنِيمَةِ. وقال مالكٌ: يُحْسَبُ مِن خُمْسِ الخُمْسِ. ولَنا، أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى به للقاتِل مُطْلَقًا، ولم يُنْقَلْ عنه أنَّه احْتَسَب به مِن خُمْسِ الخُمْسِ، ولأنَّه لو احْتَسَبَ به مِن خُمْسِ الخُمْسِ، احْتِيجَ إلى مَعْرِفَةِ قِيمَتِه وقَدْرِه، ولم يُنْقَلْ ذلك، ولأنَّ سَبَبَه لا يفْتَقِرُ إلى اجْتهادِ الإِمامِ، فلم يَكُنْ مِن خُمْسِ الخُمْسِ، كسَهْمِ الفارسِ والرّاجِلِ.
الفصلُ السادسُ، أنَّ القاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، قال الإِمامُ ذلك أو لم يَقُلْه. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ: لا يسْتَحِقُّه إلَّا أن يَشْرُطَه الإِمامُ. وكذلك قال مالكٌ. ولم يَرَ أن يَقُولَ الإِمامُ ذلك إلَّا بعدَ انْقِضاءِ الحَرْبِ،
(١) في: باب في السلب يخمَّس، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٦٦. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٤/ ٩٠، ٦/ ٢٦.