فصل: ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ في إباحَةِ إجارَةِ العَقَارِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ اسْتِئْجارَ المَنازِلِ والدَّوابِّ جائزٌ. وقد ذَكَرْنا أنّه يَجُوزُ الاسْتِئْجارُ للخِدْمَةِ كلَّ شَهْر بشيءٍ مَعْلُوم، وسَواء كان الأجِيرُ رجلًا أو امرأةً، حُرًّا أو عَبْدًا. وبهذا قال الشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وأبو ثَوْرٍ؛ لأنَّه تَجُوزُ النِّيابةُ فيه، ولا يَخْتَصُّ فاعِلُه بكَوْنِه مِن أهلِ القُرْبَةِ. قال أحمد: أجِيرُ المُشاهَرةِ يَشْهَدُ الأعيادَ والجُمُعَةَ، وإن لم يَشْتَرِطْ ذلك. قِيلَ له: فيَتَطَوَّعُ بالرَّكْعَتَين؟ قال: ما لم يَضُرَّ بصاحِبِه. وإنَّما أباح له ذلك؛ لأنَّ أوْقاتَ الصلاةِ مُسْتَثْناة مِن الخِدْمَةِ، ولهذا وَقَعَتْ مُسْتَثْناةً في حَقِّ المُعْتَكِفِ لتَرْكِ مُعْتَكَفِه لها. وقال ابنُ المُبارَكِ: لا بَأسَ أن يُصَلِّيَ الأجيرُ رَكَعاتٍ مِنَ السُّنَّةِ. وقال أبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: ليس له مَنْعُه منها. قال أحمدُ: يَجُوزُ أن يَسْتَأجِرَ الأمَةَ والحُرَّةَ للخِدْمَةِ، ولكنْ يَصْرِفُ وَجْهَه عن النَّظَرِ، ليستِ الأمَةُ مثلَ الحُرَّةِ، ولا يَخْلُو معها في بَيتٍ، ولا يَنْظُرُ إليها مُتَجَرِّدَةً، ولا إلى شَعَرِها. إنما قال ذلك، لأنَّ حُكْمَ النَّظَرِ بعدَ الإجارَةِ كحُكْمِه قبلَها، وفَرَّق بينَ الحُرَّةِ والأمَةِ؛ لأنَّهما يَخْتَلِفان قبلَ الإجارَةِ، فكذلك بعدَها.