فصل: والعَينُ المُسْتَأْجَرَةُ أمانةٌ في يَدِ المُسْتَأْجِرِ، إن تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطٍ لم يَضْمَنْها. قال الأثْرمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله يُسْألُ عن الذين يُكْرُونَ الخَيمَةَ إلى مَكَّةَ، فَتَذْهَبُ مِن المُكْتَرِي بِسَرَقٍ، هل يَضْمَنُ؟ قال: أرْجُو أن لا يَضْمَنَ، وكيف يَضْمَنُ؟ إذا ذَهَب لا يَضْمَنُ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا؛ لأنَّه قَبَض العَينَ لاسْتِيفاءِ مَنْفَعةٍ يَسْتَحِقُّها منها، فكانت أمَانَةً، كما لو قَبَض العَبْدَ المُوصَى له بخِدْمَتِه سَنَةً، أو قَبَض الزَّوْجُ امْرَأتَه الأمَةَ. ويُخالِفُ العارِيَّةَ؛ فإنَّه لا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَها، وإذا انْقَضَتِ المُدَّةُ فعليه رَفْعُ يَدِه عنها، وليس عليه الرَّدُّ. أومَأَ إليه في رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ. قِيلَ له: إذا اكْتَرَى دابَّةً، أو اسْتعارَ، أو اسْتُودِعَ، فليس عليه أن يَحْمِلَها؟ فقال أحمدُ: مَن اسْتَعارَ شيئًا، فعليه رَدُّه مِن حيث أخَذَه. فأوْجَبَ الرَّدَّ في العارِيَّةِ، ولم يُوجِبْه في الإِجارَةِ والوَدِيعَةِ. وَوَجْهُ ذلك، أنَّه عَقْدٌ لا يَقْتَضِي الضَّمانَ، فلا يَقْتَضِي رَدَّه ومُؤْنَتَه، كالوَدِيعةِ، بخِلافِ العارِيَّةِ، فإنَّ ضَمانَها يَجِبُ، فكذلك رَدُّها. وعلى هذا متى انْقَضَتِ المُدَّةُ، كانتِ العَينُ في يَدِه أمانةً، كالوَدِيعةِ إن تَلِفَتْ مِن غيرِ تَفرِيطٍ، فلا ضَمانَ عليه.