فصل: ولو شَرَع إنْسانٌ في حَفْرِ مَعْدِنٍ ولم يَصِلْ إلى النَّيلِ، صار أحَقَّ به، كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ. فإذا وَصَل إلى النَّيلِ صار أحَقَّ بالأخْذِ منه، ما دام مُقِيمًا على الأخْذِ منه. وهل يَمْلِكُه بذلك؟ فيه ما قد ذَكَرْنا مِن قبلُ. فإن حَفَر آخَرُ مِن ناحِيَةٍ أُخْرَى، لم يكنْ له مَنْعُه، وإذا وَصَل إلى ذلك العِرْقِ، لم يكنْ له مَنْعُه، سَواءٌ قُلْنا: إنَّ المَعْدِنَ يُمْلَكُ بحَفْرِه. أو لم نَقُلْ؛ لأنَّه إن مَلَكَه، فإنَّما يَمْلِكُ المَكانَ الذي حَفَره، وأمَّا العِرْقُ الذي في الأرْضِ فلا يَمْلِكُه بذلك، ومَن وَصَل إليه مِن جِهَةٍ أُخْرَى، فله أخْذُه. ولو ظَهَر في مِلْكِه مَعْدِنٌ بحيثُ يَخْرُجُ النَّيلُ عن أرْضِه، فحَفَرَ إنْسانٌ مِن خارِجِ أرْضِه، كان له أن يَأْخُذَ ما خَرَج عن أرْضِه منه؛ لأنَّه لم يَمْلِكْه، إنَّما مَلَك ما هو مِن أجْزاءِ أرْضِه، وليس لأحَدٍ أن يَأْخُذَ ما كان داخِلًا في أرْضِه مِن أجْزاءِ الأرْضِ الباطِنَةِ، كما لا يَمْلِكُ أخْذَ أجْزائِها الظّاهِرَةِ. ولو حَفَر كافِرٌ في دارِ الحَرْبِ مَعْدِنًا فوَصَلَ إلى النَّيلِ، ثمَّ فَتَحَها المسلمون عَنْوَةً، لم يَصِرْ غَنِيمَةً، وكان وُجُودُ عَمَلِه (١) وعَدَمُه واحِدًا؛ لأنَّ عامِرَه لم يَمْلِكْه بذلك، ولو مَلَكَه فإنَّ الأرْضَ تَصِيرُ كلَّها وَقْفًا للمسلمين، وهذا يَنْصَرِفُ إلى مَصْلَحةٍ مِن مَصالِحِهم، فتَعَيَّنَ لها، كما لو ظَهَر بفِعْلِ اللهِ تعالى.