والصَّحِيحُ أنَّه لا يَجُوزُ ههُنا، ولا يَصِحُّ قِياسُ هذا على إجْراءِ الماءِ في أرْضِ غيرِه؛ لأنَّ إجْراءَ الماءِ في أرْضٍ يَنْفَعُ صاحِبَها، لأنَّه يَسْقِي عُرُوقَ شَجَرِه، ويَشْرَبُه أوَّلًا وآخِرًا. وهذا لا يَنْفَعُ النَّهْرَ، بل رُبَّما أفْسَدَ حافَّتَيه، ولا يَسْقِي له شيئًا. ولو أراد أحَدُ الشُّرَكاءِ أن يَأْخُذَ مِن النَّهْرِ قبل قَسْمِه شيئًا يَسْقِي به أرْضًا في أوَّلِ النَّهْرِ أو في غيرِه، أو أراد إنسانٌ غيرُهم ذلك، لم يُجزْ؛ لأنَّهم صارُوا أحَقَّ بالماءِ الخاصِّ في نهْرِهم مِن غيرِهم، ولأنَّ الأخْذَ مِن الماءِ رُبَّما احْتاجَ إلى تَصَرُّفٍ في حافَّةِ النَّهْرِ المَمْلُوكِ لغيرِه، أو المُشْتَرَكِ بينَه وبينَ غيرِه. ولو فاض ماءُ هذا النَّهْرِ إلى أرْضِ إنْسانٍ، فهو مُباحٌ، كالطّائِرِ يُعَشِّشُ في مِلْكِ إنْسانٍ. ومَذْهَبُ الشافعيِّ في ذلك على نحو ما ذَكَرْنا.
فصل: وإن قَسَمُوا ماءَ النَّهْرِ المُشْتَرَكِ بالمُهايَأةِ، جاز، إذا تَراضَوْا به وكان حَقُّ كلِّ. واحِدٍ منهم مَعْلُومًا، مثلَ أن يَجْعَلُوا لكلِّ حِصَّةٍ يومًا ولَيلَةً. وان قَسَمُوا النَّهارَ، فجَعَلُوا لواحِدٍ مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى الزَّوالِ، وللآخَرِ مِن الزَّوالِ إلى الغُرُوبِ، ونحوَ ذلك، جاز. وإن قَسَمُوه ساعاتٍ، وأمْكَنَ ضَبْطُ ذلك بشيءٍ مَعْلُومٍ، جاز. فإذا حَصَل الماءُ لأحَدِهم في نَوْبَتِه، فأراد أن يَسْقِيَ به أرْضًا ليس لها رَسْمُ شُرْبٍ مِن هذا، أو يُؤْثِرَ به إنْسانًا، أو يُقْرِضَه إيَّاه على وَجْهٍ لا يَتَصَرَّفُ في حافَّةِ النَّهْرِ، جاز. وعلى قولِ القاضي، وأصحابِ الشافعيِّ، يَنْبَغِي أن لا يجوزَ؛ لِما