في الدّارَين، وإن سَلَّمْنا فالفَرْقُ بينَهما أنَّ كلَّ دارٍ يَخْرُجُ منها إلى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ؛ لأنَّ الظّاهِرَ أن لكلِّ دارٍ سُكانًا، فيَجْعَلُ لسُكّانِ كلِّ واحِدَةٍ منهما اسْتِطْراقًا إلى دَرْبٍ غيرِ نافِذٍ لم يَكُنْ لهم حَقٌّ في اسْتِطْراقِه، وههُنا إنَّما يَسْقِي مِن ساقِيَتِه المُفْرَدَةِ التي لا يُشارِكُه غيرُه فيها، فلو صار لتلك الأرْضِ رَسْمٌ مِن الشُّرْبِ مِن ساقِيَتِه لم يَتَضَرَّرْ بذلك أحَدٌ. ولو كان يَسْقِي مِن هذا النَّهْرِ بدُولابٍ، فأحَبَّ أن يَسْقِيَ بذلك الماءِ أرْضًا لا رَسْمَ لها في الشُّرْبِ مِن ذلك النَّهْرِ، فالحُكْمُ في ذلك على ما ذَكَرْنا مِن الخِلافِ. وإن كان الدُّولابُ يَغْرِفُ مِن نَهْرٍ غيرِ مَمْلُوكٍ، جاز أن يَسْقِيَ بنَصِيبِه مِن الماءِ أرْضًا لا رَسْمَ لها في الشُّرْبِ منه، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. فإن ضاق الماءُ، قُدِّمَ الأسْبَقُ فالأسْبَقُ، على ما مَضَى.
فصل: ولكلِّ واحِدٍ منهم أن يَتَصَرَّفَ في ساقِيَتِه المُخْتَصَّةِ به بما أحَبَّ مِن إجْراءِ (١) غيرِ هذا الماءِ فيها، أو عَمَلِ رَحىً عليها، أو دُولابٍ، أو عَبَّارةٍ، وهي خَشَبَةٌ تُمَدُّ على طَرَفَي النَّهْرِ، أو قَنْطَرَةٍ يَعْبُرُ فيها الماءُ، أو غيرِ ذلك مِن التَّصَرُّفاتِ؛ لأنَّها مِلْكُه، ولا حَقَّ فيها لغيرِه. فأمَّا النَّهْرُ المُشْتَرَكُ، فليس لواحِدٍ منهم أن يتَصَرَّفَ فيه بشيءٍ مِن ذلك؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ في النَّهْرِ المُشْتَرَكِ، أو في حَرِيمِه بغيرِ إذْنِ شُرَكائِه. وقال القاضي في العَبّارَةِ: هذا يَنْبَنِي على الرِّوايَتَين في مَن أراد أن يُجْرِيَ ماءَه في أرْضِ غيرِه.