ولا يُخْشَى عليه التَّلَفُ كالخَشْيَةِ على الحَيَوانِ؛ فإنَّ الحَيَوانَ يَمُوتُ إذا لم يُطْعَمْ ويُسْقَى، وتَأكلُه السِّباعُ، والمَتَاعُ يَبْقَى حتى يَرْجعَ إليه صاحِبُه. وإن كان المَتْرُوكُ عَبْدًا، لم يَأخُذْه؛ لأنَّ العَبْدَ في العادَةِ يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ إلى الأماكِنِ التي يَعِيشُ بها، بخِلافِ البَهِيمَةِ. وله أخْذُ العَبْدِ والمَتَاعِ ليُخَلِّصَه لِصاحِبِه، وله أجْرُ مِثْلِه في تَخْلِيصِ المَتَاعِ. نَصَّ عليه، وكذلك العَبْدُ على قِيَاسِه. قال القاضِي: يَجِبُ أن يُحْمَلَ قولُه في وُجُوبِ الأجْرِ، على أنَّه جَعَل له ذلك أو أمَرَه به، فأمّا إن لم يَجْعَلْ له شيئًا، فلا شيءَ له؛ لأنَّه عَمِلَ في مال غيرِه بغيرِ جُعْل، فلم يَسْتَحِقَّ شيئًا، كالمُلْتَقِطِ، وهذا خِلاف ظاهِرِ كلامِ أحمدَ؛ فإنَّه لو جَعَل له جُعْلًا لَاسْتَحَقَّه، ولم يَجْعَلْ له أجْرَ المِثْلِ. ويُفارِقُ هذا المُلْتَقِطَ، فإنه لم يُخَلِّصِ اللُّقَطَةَ مِن الهَلاكِ، ولو تَرَكَها أمكنَ أن يَرْجِعَ صاحِبُها فيَطْلُبَها في مَكانِها فيَجِدَها، وههُنا إن لم يُخْرِجْه هذا ضاع وهَلَك، ولم يَرْجِعْ إليه صاحِبُه، فَفِي جَعْلِ الأجْرِ فيه حِفْظُ الأمْوالِ مِن الهَلاكِ مِن غيرِ مَضَرَّةٍ، فجازَ، كالجُعْلِ في الآبِقِ. ولأنَّ اللُّقَطَةَ جَعَل فيها الشارِع ما يَحُثُّ على أخْذِها، وهو مِلْكها إن لم يَجيء صاحِبُها، فاكْتَفَى به عن الأجْرِ، فَيَنْبَغِي أن يُشْرَحَ في هذا ما يَحُثُّ على تَخْلِيصِه بطَرِيقِ الأوْلَى، وليس إلَّا الأجْرُ، كَرَدِّ لآبِقِ.
فصل: فأمّا ما ألقاه رُكّابُ البَحْرِ فيه خَوْفًا مِن الغَرَقِ، فلم أعْلَمْ لأصْحابِنا فيه قَوْلًا، سِوَى عُمُومِ قَوْلِهم الذي ذَكَرْناه. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَ