ذلك؛ لأنَّ آخِذَ الثِّيابِ لم تَقَع بينَه وبينَ مالِكِها مُعاوَضَة تَقْتَضِي زَوال مِلْكِه عن ثِيابِه، فإذا أخَذَها فقد أخَذ مال غيرِه، ولا يَعرِفُ صاحِبَه، فيُعَرفُه، ويَتَصَدَّقُ به، كالصَّدَقَةِ باللُّقَطَةِ. قال شيخُنا (١): ويحتَمِلُ أن يُنْظَرَ في هذا، فإن كانت ثَمَّ قَرِينةٌ تَدُلُّ على السَّرِقَةِ، بأن تكونَ ثِيابُه أو مَداسُه خَيرًا مِن المتْرُوكِ له، وكانت مما لا يَشْتَبهُ على الآخِذِ بثِيابِه ومَداسِه، فلا حاجَةَ إلى التَّعرِيفِ؛ لأنَّ التَّعرِيفَ إنَّما جُعِلَ على المالِ الضّائِعِ مِن رَبِّه، ليَعلَمَ به ويَأخُذَه. وتارِكُ هذا عالِمٌ به راض بِبَدَلِه عِوَضًا عما أخَذَه، ولا يَعتَرِفُ أنَّه له، فلا يحصُلُ مِن تَعرِيفِه فائِدَةٌ، فإذًا ليس بمَنْصُوص عليه، ولا هو في مَعنَى المَنْصُوصِ. وفيما يَصنَعُ به ثَلاثة أوْجُهٍ؛ أحدُها، يتَصَدَّقُ بها، على ما ذَكَرنا. والثاني، أنه يُباحُ له أخْذُها؛ لأنَّ صاحِبَها في الظّاهِرِ تَرَكَها له باذِلًا إيّاها عِوَضًا عمّا أخَذَه، قصارَ كالمُبِيحِ له أخْذَها بلِسانِه، فصارَ كمَن قَهر إنْسانًا على أخْذِ ثَوْبِه ودَفَع إليه دِرهمًا. والثالثُ، يَرفَعُها إلى الحاكِمِ ليَبِيعَها ويَدفَعَ إليه ثَمَنَها عِوَضًا عن مالِه. والوَجْهُ الثاني أقْرَبُ إلى الرِّفْقِ بالنّاسِ؛ لأنَّ فيه نَفْعًا لمَن سُرِقَتْ ثِيابُه بحُصُولِ عِوَض عنها، ونَفْعًا للسّارِقِ بالتَّخْفِيفِ عنه مِن الإِثمِ، وحِفْظًا لهذه الثِّيابِ المَتْرُوكَةِ مِن الضَّياعِ، وقد أباحَ بعضُ أهْلِ العِلْم في من له على إنْسانٍ حَقٌّ مِن دَين أو غَصبٍ، أن يَأخُذ مِن مالِه بقدرِ حَقِّه إذا عَجَز عن اسْتِيفائِه بغيرِ ذَلك، فههُنا مع رِضَاءِ مَن عليه الحَقُّ بأخْذِه