للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعَدَمُه. قُلْنا: الظّاهِرُ وُجُودُه، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حين قالتْ أمُّ سَلَمَةَ: أوَ تَرَى ذلك المَرْأةُ؟ قال: «فَمِنْ أينَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟» (١). والحَدِيثُ الذي احْتَجُّوا به حُجَّة عليهم؛ لأنَّ إنْكارَ الرَّجُلِ ولَدَه لمُخالفَةِ لَوْنِه لَوْنَه، وعَزْمَهُ على نَفْيِه لذلك، يَدُلُّ على أنَّ العادَةَ خِلافُه، وأنَّ في طِباعِ النّاسِ إنْكارَه، فإنَّ ذلك إنَّما يُوجَدُ نادِرًا، وإنَّما ألْحَقَه النبي - صلى الله عليه وسلم - به لوُجُودِ الفِراشِ، وتَجُوزُ مُخالفَةُ الظّاهِرِ للدَّلِيلِ، ولا يجوزُ تَرْكُه لغيرِ دَلِيل، ولأنَّ ضَعْفَه عن نَفْي النَّسَبِ لا يَلْزَمُ منه ضَعْفُه عن إثْباتِه. فإنَّ النَّسَبَ يُحْتاطُ (٢) لإِثْباتِه، ويَثْبُتُ بأدْنَى دَلِيل، ويَلْزَمُ مِن ذلك التَّشْدِيدُ في نَفْيِه، وأنَّه لا يَنْتَفِي إلَّا بأقْوَى الأدِلَّةِ، كما أنَّ الحَدَّ لمّا انْتَفَى بالشبْهَةِ، لم يَثْبُتْ إلَّا بأقْوَى دَلِيل، فلا يَلْزَمُ حِينَئذٍ مِن المَنْعِ مِن نَفيِه بالشَّبَهِ في الخَبَرِ المَذْكُورِ أن لا يَثْبُتَ به النَّسَبُ في مسألَتِنا. فإن قيل: فهاهُنا إذا عَمِلْتُم بالقِيافَةِ فقد نَفيتُم النَّسَبَ عَمَّن لم تُلْحِقْه القافَةُ به. قُلْنا: إنَّما انْتَسب هاهُنا لِعَدَم دَلِيله؛ لأنَّه لم يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، وقد عارَضَها مِثلُها، فسَقَطَ حُكْمُها، وكان الشَّبَهُ مُرَجِّحًا لأحَدِهما، فانْتَفتْ دَلالةُ الأخْرَى، فلَزِمَ انْتِفاءُ النَّسَبِ لانْتِفاءِ دَلِيله، وتَقْدِيمُ اللِّعانِ عليه لا يَمْنَعُ العَمَلَ به عندَ عَدَمِه، كاليَدِ تُقَدَّمُ عليها البَيِّنةُ، ويُعْمَلُ بها عندَ عَدَمِها.


(١) تقدم تخريجه في: ٢/ ٨٠. ويضاف إليه. وأخرجه البخاري، في: باب الحياء في العلم، من كتاب العلم، وفي: باب قول الله تعالى: {وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، من كتاب الأنبياء. صحيح البخاري ١/ ٤٤، ٤/ ١٦٠. والإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٢٩٢، ٣٠٦، ٣٧٧.
(٢) بعده في م.: «له».