سَوْدَةَ. فإن قِيلَ: فالحَدِيثانِ حُجَّة عليكُم؛ إذ لم يَحْكُمِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشبَهِ فيهما، بل ألْحَقَ الوَلَدَ بزَمْعَةَ، وقال لعبدِ بنِ زَمْعَةَ:«هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ للْفِرَاش، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ». ولم يَعْمَلْ بشَبَهِ وَلَد المُلاعِنَةِ في إقامَةِ الحَدِّ عليها لشَبَهِه بالمَقْذُوفِ. قُلْنا: إنَّما لم يَعْمَلْ به في ابْنِ أمَةِ زَمْعَةَ؛ لأنَّ الفِراشَ أقْوَى، وتَرْكُ العَمَلِ بالبَيِّنةِ لمُعارَضَةِ ما هو أقْوى منها، لا يُوجب الإِعْراضَ عنها إذا خَلَتْ عن المُعارِضِ. ولذلك ترَك إقامَةَ الحَد عليها مِن أجْلِ أيمانِها، بدَلِيلِ قولِه:«لَوْلَا الأيمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأنٌ». على أنَّ ضَعْفَ الشَّبَهِ عن إقامَةِ الحَد لا يوجب ضَعْفَه عن إلْحاقِ النّسَبِ، فإنَّ الحَدَّ في الزنَى لا يَثْبُتُ إلَّا بأقْوَى البَيِّناتِ، وأكْثَرِها عَدَدًا، وأقْوَى الإِقْرارِ، حتى يُعْتَبَرَ فيه تَكْرارُه أرْبَعَ مَرَّاتٍ، ويُدْرَأ بالشُّبُهاتِ. والنَّسَبُ يَثْبُتُ بشَهادَةِ امْرأةٍ على الولادَةِ، ويَثْبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مع ظُهُورِ انْتِفائِه، حتى لو أنَّ امْرَأةً أتَتْ بوَلَدٍ وزَوْجُها غائِبٌ منذ عِشْرين سَنة، لَحِقَه وَلَدُها، فكَيفَ يَحْتَجُّ على نَفيِه بعَدَمِ إقامَةِ الحَدِّ! لأَنه حَكَم بِظَنٍّ غالِبٍ ورَأىٍ راجِح، مِمَّن هو مِن أهْلِ الخِبْرَةِ، فجازَ، كقَوْلِ المُقَوِّمِين. وقَوْلُهم: إنَّ الشَّبَهَ يجوزُ وُجُودُه
= ١٤٩. وابن ماجه، في: باب الولد للفراش وللعاهر الحجر، من كتاب النكاح، وفي: باب لا وصية لوارث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه ١/ ٦٤٦، ٦٤٧، ٢/ ٩٠٥. والدارمي، في: باب الولد للفراش، من كتاب النكاح. وفي: باب في ميراث ولد الزنا، من كتاب الفرائض. سننن الدارمي ٢/ ١٥٢، ٣٨٩. والإمام مالك، في: باب القضاء لإلحاق الولد بأبيه، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٣٩. والإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٣٧، ١٢٩، ٢٠٠، ٢٢٦، ٢٣٧.