فصل: ويَصِحُّ أن يَشتَرِطَ أن يَأكُلَ منها أهْلُه؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَرَط ذلك في صَدَقَتِه. وإن شَرَط أن يَأكُلَ منه مَن وَلِيَه ويُطْعِمَ صَدِيقًا، صَحَّ؛ لأنَّ عُمَرَ شَرَط ذلك في صَدَقَتِه التي اسْتَأمَرَ فيها رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فإن وَلِيَها الواقف، كان له أن يَأكلَ ويُطْعِمَ صَدِيقًا؛ لأنَّ عُمَرَ وَلِيَ صَدَقَتَه. وإن وَلِيَها أحَد مِن أهْلِه، فله ذلك؛ لأنَّ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ كانت تَلِي صَدَقَتَه بعدَ مَوْتِه، ثم وَلِيَها بعدَها عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ (١).
فصل: فإنِ اشْتَرَطَ أن يَبِيعَه متى شاءَ، أو يَهَبَه، أو يَرْجِعَ فيه، بَطل الوَقف والشَّرْطُ. لا نَعْلَمُ في بُطْلانِ الشَّرْطِ خِلافًا؛ لأنَّه يُنافِي مُقْتَضَى الوَقْف. ويَحْتَمِلُ أن يَبْطُلَ الشَّرْطُ ويَصِحَّ الوَقف، بِناءً على الشُّرُوطَ الفاسدَةِ في البَيعِ. وإن شَرَط الخِيارَ في الوَقْف، فَسَد. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو يُوسُف في رِوايةٍ عنه: يَصِحُّ؛ لأنَّ الوَقف تَمْلِيكُ المَنافِعِ، فجاز شَرْطُ الخِيارِ فيه، كالإجارَةِ. ولَنا، أنَّه شَرْط يُنافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَط أنَّ له بَيعَه متى شاءَ، ولأنه إزالةُ مِلْكٍ للهِ تعالى، فلم يَصِحَّ شَرْطُ الخِيارِ فيه، كالعِتْقِ، ولأنَّه ليس بعَقْدِ مُعاوَضَةٍ، فلم يَصِحَّ اشْتِراطُ الخِيارِ فيه، كالهِبَةِ، بخِلافِ الإجارَةِ، فإنَّها عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، وههُنا لو ثَبَت الخِيارُ لثَبَتَ مع ثُبُوتِ حُكْمَ الوَقْف، فافْتَرَقا.
(١) أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى ٦/ ١٦١، وفيه: «الأكابر من آل عمر»، وليس: «عبد الله بن عمر».