في مَن لم يُخَلِّف مِن وُرّاثِه عَصَبَةً ولا ذا فَرْضٍ، فرُوِيَ عنه، أنَّ وَصِيَّتَه جائِزَةٌ بكلِّ مالِه. ثَبَت ذلك عن ابنِ مسعودٍ. وبه قال عَبِيدَةُ السّلْمانِيُّ، ومَسْرُوقٌ، وإسحاقُ، وأهلُ العراقِ. والرِّوايَةُ الأخْرَى، لا يجوزُ إلَّا الثُّلُثُ. وبه قال مالكٌ، والأوْزاعِيُّ، وابنُ شبْرُمَةَ، والشافعيُّ، والعَنْبَرِيُّ؛ لأنَّ له مَن يَعْقِلُ عنه، فلم تَنْفُذْ وَصِيَّتُه في أكْثَرَ مِن الثُّلُثِ، كما لو تَرَك وارِثًا, ولأنَّ المسلمين يَرِثُونَه، وهو بَيتُ المالِ. ولَنا، أن المَنْعَ مِن الزِّيادَةِ على الثُّلُثِ إنَّما كان لتَعَلُّقِ حَقِّ الوَرَثَةِ به، بدَلِيلِ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّكَ أن تَدَعَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ، خَيرٌ مِن أن تَدَعَهُم عَالةً يتَكَففُونَ النّاسَ». وهَا هُنا لا وارِثَ (١) له يَتَعَلقُ حَقُّه بمالِه، فأشْبَهَ حال الصِّحّةِ، ولأنَّه لم يَتَعَلَّقْ بمالِه حَقُّ وارِثٍ ولا غَرِيمٍ، أشْبَهَ حال الصِّحَّةِ، والثُّلُثَ.