فقال:«وما هن يا أمير المؤمنين؟ » قال: «قعودك عن الصلاة فى مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى جماعة، فتصلى وحدك، والثانية أنك لا تكلم أحدا فى الطريق تيها وعظمة، والثالثة أنك رجل بخيل فيك ضيق شديد».
فقال:«يا أمير المؤمنين: أما الأولى فإنى أكره أن أصلى بصلاة الإمام، فما يدخل من فسادها أعظم عندى من تركى إياها لشغل، وإنى لا أدرك معهم ركوعا ولا سجودا، فأرى أن أصلى وحدى أفضل، وأما الثانية: «فإنى قاض، ولا يجوز أن أعطى من نفسى التسليم عليهم والابتذال لنفسى، فيكون فى ذلك مفسدة للخصوم، وأما الثانية: فإنى لا أجمد ولا أذرب فى باطل».
قال:«خرجت منهن يا بن عمران؟ ! يا ربيع: ادفع إليه ثلاثة آلاف درهم».
قال:«يا أمير المؤمنين: بالباب مستعدون عليك يذكرون أن فى يدك حقا من دار كذا»، قال:«فأنصفهم منى»، قال:«وكّل وكيلا يقوم مقامك، أو أحضر معهم مجلس القضاء»، قال:«قد وكّلت الربيع»، قال: «أشهد على وكالتك إياه عيسى بن على، والعباس بن محمد (١) ففعل، ثم أخرج حدود الدار التى ينازعون فيها، ودعا بالربيع وخصمائه، وأحضر شهادته على الوكالة وأنفذها، ثم سأل القوم عن دعواهم وشهودهم، ثم قضى لهم عليه.
واستعدى أيضا الجمّالون على المنصور بالمدينة، فقال القاضى محمد بن عمران للشبلى:«اكتب إليه فى ذلك»، فأبى عليه، وقال:«تعفينى»، فقال:«لتكتبن»، فكتب، فلما استتم الكتاب وختمه، قال له:«لا يمضى به سواك»، فمضى، ووافى إلى باب المنصور، وسلم الكتاب إلى الربيع، فأوصله إلى المنصور، فقرأه.
وعاد الشبلى إلى محمد بن عمران، فعرّفه أنه سلّم ما كتب إلى الربيع، فأوصله، فقرأه المنصور وأجاب إلى الحضور.
ثم خرج المنصور مؤتزرا ببردة، مرنديا بأخرى، ومشى إلى أن قارب مجلس محمد بن عمران، ووقعت عينه عليه ـ والربيع بين يديه ـ فقال له:«يا ربيع، نفيت عن العباس، لئن تحرك محمد بن عمران عن مجلسه هيبة لى، ولا ولى ولاية أبدا»، ثم صار إلى محمد ابن عمران، فلما رأى المنصور وكان أطلق ردائه على عاتقه، ثم احتبى، ودعى بالخصوم فحكم لهم عليه، وأمره بإنصافهم.
(١) انظر: (تاريخ بغداد ١/ ٩٥، ١٢، ١٢٤، تهذيب ابن عساكر ٧/ ٢٠٣، النجوم الزاهرة ٢/ ١٢٠، الأعلام ٣/ ٢٦٤، ٢٦٥).