السبت الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، فلبس الخلعة، وقرئ عهده بالولاية وطاف بالبيت، وأقام بها إلى أثناء ليلة الأحد.
وخرج ومن معه إلى بئر شميس، ثم انتقل منها فى النصف الثانى من جمادى الآخرة من السنة المذكورة، إلى العدّ، وكان الأشراف قد أقاموا به نحو خمسة وعشرين يوما بمعاونة الحميضات، ثم رحلوا منه إلى جهة اليمن، وأمر فى النصف الثانى من رجب بقطع نخيل الفائجة والبريقة بخيف بنى شديد، وكلاهما لبعض الأشراف. وكانوا قد اجتمعوا بدريب بن أحمد بن عيسى صاحب حلى، وخوّفهم من حسن فى مرورهم عليه إلى وادى مرّ. فذكروا له أنه لا قدرة له عليهم. ووقع كلامه فى قلوبهم؛ لأنهم لما قربوا من الموضع الذى حسن فيه مقيم، أرسلوا يطلبون الجيرة من بعض أصحابه فى حال مرورهم، وأوهموا رسولهم أنهم لا يمرون حتى يعود عليهم بالخبر، وقصدوا بذلك أن يتثّبط عنهم أصحاب حسن.
فلما كان الليل، مروا وأصحاب حسن لا يشعرون حتى انتهوا إلى الوادى. وتأثر لذلك حسن وأصحابه، وتحركوا للأخذ بثأر علىّ بن عجلان.
وكان محمد بن محمود ممن انتصب لذلك لحسن سياسته. فتكلم مع القواد فى ذلك فأجابوه لما طلب، لظنهم أنه لا يتم ذلك على عادة بنى حسن فى التثبط عن القتال بالجيرة فى كل يوم، فيمل الطالب للقتال ويصالح المطلوب، فجاء القدر بخلاف ذلك؛ لأن الفريقين لما التقيا، وبادر الأشراف إلى الحرب، لاستخفافهم بالقواد. وكانوا عرفوا بمكان القواد العمرة، فحملوا عليهم حملة منكرة، زالت بها القواد عن أماكنهم، وكادوا ينهزمون، فعطف الحميضات والسيد حسن، وكان فى القلب، ومن جمع لهذا الحرب، على الأشراف فانكسروا، وقتل من سراة الأشراف سبعة، ومن أتباعهم نحو ثلاثين، وما قتل من أصحاب حسن فيما قيل غير مملوك وعبد.
وكان معه ألف رجل ومائتا رجل من الترك والعبيد والمولدين، وأهل مكة والأعراب، وأجار على حلّة الأشراف من النهب فسلمت، وقصدوا جهة الهدة، وأقام بالجديد، حتى أتى الموسم.
واستفحل أمره بعد هذه الوقعة. وكانت بمكان يقال له الزّبارة، بوادى مر، قريبا من أبى عروة، فى الرابع والعشرين من شوال من السنة المذكورة. وقيل فى هذا التاريخ فى شهر رمضان، وما أتى إلى جدة فى هذه السنة من تجار اليمن غير قليل، ومضى أكثرهم إلى ينبع.