مقتولا، وأمر بعمارة مدرسة له بالمدينة، وشراء وقف لها بالمدينة، فاتفق أن المركب الذى فيه ما بعث به السلطان لأجل ذلك، انصلح فى بعض مراسى الشّقان، فأخذ السيد حسن ربعه مع ما كان لجماز. ويقال إن الذى أخذه من إقبال وياقوت يساوى ثلاثين ألف مثقال.
وكان مع ياقوت صدقة لأهل مكة، ففرقها عليهم وانتفع بها الناس. وكان معه خلع لقضاة الحرم وأئمته وشيخ الحجبة وزمزم، فأوصلها إليهم.
وفى آخر هذه السنة بعد الحج، قبض السيد حسن ما كان للقاضى وجيه الدين عبد الرحمن بن جميع مع سفرائه من الأموال، واستقصى فى ذلك. ويقال إن بعض غلمانه من المولدين هموا فيه بسوء، لكونه لم يسمح لهم ولا لغيرهم بشيء من ذلك، فما تمكنوا منه لتيقظه لهم، فإن خبرهم بلغه من بعض من كان حالفهم عليه من القوّاد، وأحسن لمن أعلمه بذلك ولغيره من القواد، وأعرض عن المولدين ونفر منهم، فبانوا عنه ولا يموا القواد مدة أشهر، وما كل المولدين بان عنه. وإنما بان منهم المسئ فى حقه، وبعث إلى صاحب اليمن يخبره بما أخذ، ويذكر له أن سببه ما وقع من ابن جميع من استيلائه على ما كان بيد سفير شكر مولاه، من المال لشكر.
وكان ابن جميع قد تعرض لسفير شكر، لما بلغه ما أخذ بمكة من خاله العفيف عبد الله الهبّى، وبعث مع كتابه بكتاب وصل إليه من مصر، من صاحبها الناصر، يتضمن ذمّ ابن جميع.
وأمر صاحب اليمن بالقبض عليه، وتخليص حقوق الناس منه، وإرساله إلى مصر معتقلا. فشق ذلك على صاحب اليمن، وأعرض عن الكتابه إلى صاحب مكة، ثم تلطف به، فكتب له كتابا، أوله بعد البسملة والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم:(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)[الصف: ٢]، نحن لا نقول ما نفعل إلا حسنا، ولا نرى الأرض وأهلها إلا ودائع معنا، ولا نريد المال إلا للصنائع وحسن الثناء، ولا ندين إلا بالوفاء لمن عاقدنا، وبالجفاء لمن خادعنا. وشر الكلام كلام ينقض يومه غده، وشر المواعيد موعد من لا يصدق لسانه يده. وقفنا على كتاب المجلس السامى ـ وذكر له ألقابا ـ ثم قال: فوجدنا فيه ألفاظا تدعى بالمودة، وهى مستوحشة من دعواها، مستخيبة ممن سمعها أو رآها، وما بالمجلس حاجة إلى أن يقول بلسانه ما ليس فى قلبه، ويضمر أمرا ويودع غيره فى كتبه، قارئا [من الكامل]: