وجهزه مع الحاج آل ملك، فأظهر الملك الناصر البشر، وخطب باسم المظفر على منبر الكرك، وأنعم على الحاج آل ملك وأعاده، فلم يتركه المظفر، وأخذ يناكده، ويطلب منه من معه من المماليك الذين اختارهم للإقامة عنده، والخيول التى أخذها من قلعة الجبل، والمال الذى أخذه من الكرك، وهدده بتجهيز العساكر إليه وأخذه، فحنق لذلك، وكتب لنواب الشام يشكو ما هو فيه، فحثوه على القيام لأخذ ملكه، ووعدوه بالنصر، فتحرك لذلك، وصار إلى دمشق، وأتته النواب.
وقدم إلى مصر، ففر بيبرس، وطلع الناصر القلعة يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة، فأقام فى الملك اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وعشرين يوما. ومات فى ليلة الخميس حادى عشرين ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وعمره سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام.
ومدة سلطنته فى المدد الثلاث ثلاث وأربعون سنة وثمانمائة أشهر وتسعة أيام، وحجّ فيها ثلاث مرات.
الأولى فى سنة ثنتى عشرة وسبعمائة، وسببها أن خربندا تحرك لأخذ الشام، ونزل على الفرات، فخرج السلطان بعساكر مصر فى ثالث شوال، وسار إلى الصالحية، فقدم البريد من حلب ودمشق برحيل خربندا عن الرحبة يوم عيد الفطر يريد بلاده، فسرّ السلطان بذلك وعزم على الحج، ودخل دمشق فى ثالث عشرينه، وفرّق العساكر فى الجهات، وركب فى أربعين أميرا وستة آلاف مملوك على الهجن فى أول ذى القعدة وأخذ معه مائة فرس، فقضى نسكه، وعاد إلى الشام بعد مروره بالمدينة النبوية ودخوله الكرك، فدخل فى حادى عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وهو راكب ناقة لطيفة القد بعمامة مدّورة ولثام، وعليه بشت من أبشات العرب، وفى يده حربة.
وتلقاه شيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن تيمية وسائر الفقهاء وجميع الناس، فكان يوما مشهودا، وبلغ كرادار التفرج على السلطان ستمائة درهم فضة، ثم سار إلى مصر، وصعد قلعة الجبل فى ثانى عشر صفر.
ثم حجّ فى سنة تسع وعشرة وسبعمائة، فلما تحرك لذلك أتته تقادم الأمراء وسائر نواب الشام وأمراء دمشق وحلب، وأول من بعث تقدمته الأمير تنكز ـ نائب الشام ـ وفيها الخيل والهجن بأكوار الذهب، والسلاسل من الذهب والفضة، وجميع المقاود والمخاطم والآلات من الحرير الملون المحكم الصنعة، ثم تقادم الملك المؤيد عماد الدين ـ صاحب حماة ـ ثم تلاه الأمراء.